أطفأت ما بها من تألق وبريق، وحسبك أن يقول:
تداول هذا الحكم ناس لو أنهم ... أرادوه طيفاً في المنام لخيبوا
ورب وسام فوق صدر لو أنه ... يجازى بحق كان بالنمل يضرب
نشاربه بين المخازي وراقه ... وسام عليها فهو بالخزي معجب
ولن نترك ما قاله الشاعر في أعداء الشعوب دون أن نشير إلى سخريته الهازئة من أمانيهم الخادعة، وعجبه لغفلتهم ممن يتهددهم من مصير أليم، وترقبه الساعة الفاصلة التي تستيقظ فيها الشعوب النائمة على صوت لجب صاخب يبعث بها التوثب والطموح، فتندفع هائجة إلى فلول الخونة من الأذناب فتدوسهم بالنعال، وتطؤهم بالأقدام، وكم يؤلمك أن يتمنى الشاعر من هؤلاء أن يقتدوا بإنجلترا! فيهادنوا المروءة والرجولة ويحاربوا العقائد والمذاهب، وأنى يكون ذلك، والشعب البريطاني يقظ متوثب، يقدر زعماؤه كرامته وحيويته، أما أذنابهم في الشرق فلا يعترفون بحمية وإباء، فصادروا الحريات، وكمموا الأفواه، فأنطلق الجواهري يقض مضاجعهم، وكشف الأستار عن مثالبهم الفاضحة إذ قال:
ولقد رأى المستعمرون فرائسا ... منا وألفوا كلب صيد سائبا
فتعهدوه فراح طوع بنانهم ... يبرون أنياباً له ومخالبا
مستأجرين يخربون بيوتهم ... ويكافئون على الخراب رواتبا
الشاربين دم الشباب لأنه ... لو نال من دمهم لكان الشاربا
والحاقدين على البلاد لأنهم ... حقرتهمو حقر السليب السالبا
ولأنها أبدا تدوس أفاعيا ... منهم تمج سمومها وعقاربا
شلت يد المستعمرين وفرضها ... هذى العلوق على الدماء ضرائبا
ألقى إليهم وزره فتحملوا ... أثقاله حمل الثياب مشاجبا
وأذابهم في الموبقات فأصبحوا ... منها فجوراً في فجور ذائبا
يتمهل الباغي عواقب بغيه ... وتراهموا يستعجلون عواقبا
حتى كأن مصائرا محتومة ... سودا تنيلهموا منى ورغائبا
يتبع
محمد رجب البيومي