وقد قضت سنوات في الحداد على زوجها تتنقل بين البلدان فزارت إيطاليا وفرنسا الجنوبية وإسبانيا، وكان أحب أماكن الاصطياف إليها جبال التيرول حتى لقد جمعت كل صورها ومناظرها فوضعتها في غرفة استقبالها. وفي يوم من الأيام أرادت أن تتسلق إحدى قممها المكللة بالجليد فلبست ثوباً من الفرو وأمسكت بعصا غليظة وصعدت إلى الجبل قبيل الغروب، فلما وصلت إلى مكان مرتفع منه كانت الشمس قد غابت. ثم وجدت أنها ضلت الطريق وأصبحت محاطة بحفائر مكدسة بالثلج بحيث لا تستطيع العودة ولا الاستمرار في المشي.
وحاولت عبثاً أن تجد لها منقذاً، فرأت من المستحيل أن تتقدم أو تتأخر أو تعلو أو تهبط فاستغاثت بأعلى صوتها، ولكنها لم تسمع غير صدى صوتها فأخرجت من جيب معطفها مسدساً وأطلقته ولكنها لم تسمع غير دوي الطلقات، فخارت قواها وجلست على صخرة بعد أن أزالت ما عليها من الجليد وظلت تبكي. وبعد ربع ساعة مر عن كثب منها رجل يصفر فنادته وكلمته بلهجة لم تتكلم بها منذ سنوات وهي لهجة التوسل والضراعة، وطلبت إليه أن ينقذها فمشى نحوها رافعاً قبعته محيياً باحترام. وعرض عليها مساعدته فشكرته شكر الضارع الخاضع ورأت من ثيابه ومن الأسلحة التي يحملها أنه من هواة الرياضة والصيد. ودلتها هيئته على القوة والإعجاب.
قال لها:(اسمحي لي أن أحملك)
فقالت:(أخشى أن اسبب لك تعباً كثيراً)
قال:(لا داعي إلى مثل هذا القول)
ثم حمل البارونة بين يديه فشعرت وهي محمولة بشعور غريب لم تجربه من قبل. وكانت أنفاسه الحارة تدفئ خديها فتسائل نفسها أي شعور هو الذي تجده في نفسها في هذا الوقت، هل هو الحب؟
فلما وصل بها إلى الفندق الذي تقيم فيه شكرته ودعته إلى زيارتها ووعدها بأن يرافقها في فرصة أخرى إلى جبال التيرول. . وسألته عن اسمه فقال أنه فرديك فون فاردورف.
قالت:(أنت ذلك الروسي الشهير؟ لقد سمعت اسمك يتردد كثيراً في الأوساط العالية)