معرفتها. وبذلك أصبحت الدعوى بين المسلمين قاصرة على العبادات والمعاملات، وهي عظيما الشأن ما في ذلك من شك، ولكن روح الإسلام وأهدافها الجماعية - وهي التي من اجلها أنزل - أصبحت مهملة، لأن الكلام في الدين أصبح بين مفروض فيهم التمتع بها، بتلك الروح والمعرفة بهذه الأهداف
لكن لا هذه ولا تلك ولا المعاملات ولا العبادات ولا أي شيء في الحياة يمكن أن يصل إلى كماله أمام العقبات التي أوجدها الاستعمار من كبت الحريات، ومن نشر الجهل والمرض والفقر
والآن وقد أكلت النار نفسها حين لم تجد ما تأكله وتناقصت قوى الغرب المستعمر بما تناقص إيمانه بالله وتمسكه بالفضائل، فأصبح لا يكاد يستقر في حكم نفسه حتى يستقر في حكم المستعمرات. والآن وقد أحس المفكرون في الغرب بأن الحضارة التي أقاموها على الماديات توشك أن تنهار، فقد انتقمت الفضائل المهملة لنفسها، وتزعزعت عقائد الماديين بالمادة، وبشر الإسلام بنفسه حين أكره المسلمون على الكف عن التبشير له
والآن وقد بدأ المسلمون يستروحون نسيم الحرية بما أضعف خصومهم، فانصدعت قيودهم، واتسمت حدودهم، فإنهم يجدون في الغرب عقائد دينهم تمشي على أقدامها هي لا على أقدام المسلمين. وللفكرة أقدام وأيد ولها أيضاً أجنحة، ولئن أهملنا أن نعطي من مزايا الإسلام، فقد أكره الغرب وان لم نعطه منها على أن يأخذ هو، وشتان بين أخذ هـ من ماديتنا ذلك الأخذ الذي ينتقص من تلك الماديات، وبين أخذه من معنوياتها ذلك الأخذ الذي يزيدها ويباركها، والدين كالعلم يزيد مع كثرة الإنفاق، والآن أمام هذا كله أصبح في الغرب من يبشرون بالإسلام، أو بركن من أهم أركان الإسلام، هو نواحيه الخلقية، ودائرته الجماعية ومساواته بين الخلق كافة في الحقوق والواجبات، ودعوته إلى السلام، وتحريمه الحرب إلا دفاعا
بدأنا نتحرر، وبدأنا نستطيع استئناف ما وجب علينا، ولا يزال مستمر الوجوب من الدعوة اليه، فهل يقضي المنطق بأن نصحح أخطاء الداعين دعوتنا، ونكمل النقص إذا كان هناك ثمة خطأ أو نقص، أم نظل نحن المنوطة بنا رسالة الدين من بين المدعوين المستمعين، أم نظل مقتصرين على الدعوة للإسلام بين المسلمين؟