ولكنني تركته بعد ذلك ولم أعد ألجأ إلى النظم فيه إلا ما ندر؛ حتى الموشحات الغنائية التي أكثر من النظم فيها أترك الرمل وألتزم مجزوءه - نظرا للإيقاع الموسيقى الذي فيه والجرس الراقص، أما شوقي فهو حتى في هذا البحر يبدع ويجيد - خذ مثلا قوله
واتركي فضل زماميه لنا ... نتناوب نحن والروح الأمين
ألا يرى معي القارئ القوة والمتانة التي تتخلل الأبيات على سهولتها وعذب موسيقها؟ أيستطيع أحد مهما بلغ من المقدرة البيانية والبلاغية ومطاوعة اللغة والقوافي له أن يضع لفظة بدل أخرى!! أشك في ذلك لأن الفحول من الشعراء عندما ينظمون حتى على هذا الوزن لا يتركون فيما يقدمونه مغمزا لناقد فيه! وهكذا الحال عند شوقي على خلاف غيره من الشعراء عصره
قد يطول بنا القول إذا نحن قارنا بينه وبين غيره لأن المفاضلة والموازنه تحتاج إلى إيراد أمثلة تخرجنا عن الموضوع الذي نطرقه الآن، لذلك نترك ذلك الحديث إلى مجال آخر وعسى أن يكون ذلك في القريب
قلت في بدء الكلام أن القراء نشقوا في العدد الماضي عطر باقة من الأزهار أبي علي ويسرني الآن أن أتحفهم بإضمامة أخرى قطفها لهم من روضته وهي كما يرون نغمة ككل شعره العطر الندى، تزول جدة الدهور ولا تزول جدتها، فإن كان الورد لا تتفتح إكماله إلا في الربيع ولا يعبق نشره إلا في أيار، فإن شعر شوقي فواح الأريج في كل الفصول. فلنستاف إذا شذاه الموار
الشوقية الثانية
وهذه العصماء الثانية قالها شوقي في جمعية الشبان المسلمين حيث ألقيت في حفلتها التي أقيمت بدار الأوبرا الملكية في ١٤ شوال من عام ١٣٤٧هـ - ١٩٢٨م
لم يضع صاحب المجلة عنواناً للقصيدة ولم يذكر المناسبة التي قيلت فيها ولكن القارئ يدرك من فحواها أنها نظمت لأجل جمع الإعانة لدار الأيتام التي قامت ببنائها الجمعية المذكورة على حد قوله: