الأمصار ويكونون الثروات، فكان بذلك عامل (سد الفراغ) كما يقول المتحدثون.
ويرمى التصوف في صميمه إلى القناعة ونفض اليد من البر بق وشغل القلب عن المتاع، والانصراف عن زخرف المال والنضال إلى ما هو أسمى منه. .
والتصويف في غايته يدعو إلى القصد من متاع الدنيا، رجاء متاع الآخرة، والانصراف عن كثير من حلال المتاع خوف الوقوع في حرامه، ويهدف إلى حرمان النفس مما تتطلع إليه مما في أيدي الناس.
وكان هؤلاء الصوفية أنفسهم يحملون السيف إبان الغزو، فإذا انتهى الجهاد بالسيف عادوا إلى جهاد النفس وإخلاص النية لله.
وليس شك أن انصراف النفس الإنسانية في بعض العهود عن التصوف هو الذي أرخى العنان لهجمات التتار والصليبيين، وكان عاملاً فعالا من عوامل الهزيمة، إذا واجهت هذه القوات التي كانت تحمل فكرة معينة، جيلا مريضا رخوا قد أضرت به الرغبات وقتلت قوته وصلابته، فلم يستطيع أن يقف أمام الجحافل المغيرة أو يردها، فلما برز مرة أخرى الرجال الذين أشربوا روح الصوفية الحقة أمثال الشهيد نور الدين زكي وغيرهم أمكن مقاومة العتاة وسحقهم، واستعادة مجد البلاد.
هي الصوفية الناصعة الصافية التي كانت تعتصم باحتقار المغانم والأموال والجاه، في سبيل الله، وترى رجالها فوق سروج الخيل، وأطباق الماء وأعماق الصحراء.
أن نظام الفروسية في ذاتها الذي اقتبسه الأوربية نظام صوفي، ونظام الصفوة القائم على الكرم والسخاء والشجاعة والمروءة نظام صوفي، وهي تهدف في جملتها إلى أن يجرد الفرد نفسه للأمة، فيعيش للجماعة ويعيش للفكرة، ويعيش للمثل الأعلى. ولا شك أن روح الصوفية الخالصة هي التي دفعت أبي حنيفة عن أن يقبل القضاء، وهي التي أدت إلى أن يجلد مالك ويعذب احمد بن حنبل.
فلست اقصد بالتصوف، ذلك الزاهد والاعتدال والاعتكاف، فليس هذا من الإسلام في شيء. أننا نمر بمرحلة (الضرورة) من تاريخ الوطن، وهي تقتضينا أن نكون جنوداً قد أعدو أنفسهم لاحتمال أعباء ضخم طويل المدى، من شأن هذا الكفاح أن نعد له أنفسنا بالتربية الروحية، التربية التي تستدعي صلابة وقوة الاحتمال والقدرة مواجهة الخطوب.