ولعل هذه المعاني هي التي جعلتني أفكر في (التصوف). . التصوف المستنير الذي عرفه عمر وعلي والحسن البصري والجنيد. .
هذا الذي يرتبط فيه الزهد في مغريات الدنيا بالقدرة على مواجه الحقائق. .
فليس شك أن الرجل (الجنتيل) الذي لا يستطيع أن يجهز بكلمة الحق، هو في الأغلب رجل غلبت علية المطامع الدنيوية، فهو يجامل ويتملق ويسمع ما يكره، ويخفي آراءه الخاصة، حتى لا تنشأ خصومة مع فلان آو فلان، ممن قد تضطره الحياة يوماً إلى أن يلجأ إليه. . وبهذا يظل إمعة، ومصدر هذا أن متاع الحياة قد وقذه، فماتت في نفسه روح الجرأة والشجاعة الأدبية.
أما الصوفي الزاهد الذي استهان بالدنيا واحتقرها، فهو أجرأ الناس في قول كلمة الحق، ونقد ما يراه.
ولذلك عرف المتصوفة بالجرأة على الزعماء والأمراء والحكام يجبهونهم بكلمة الحق، ويقولنا سافرة جريئة ولا يبالون. . لان الحياة هانت فلم يعد يخيفهم الحرمان منها، ولأنهم قد استخفوا بزخارفها، وانمحت من قلوبهم مطامعها، فأصبحوا يرددون مع الصوفي القديم (أن قتلي شهادة، وسجني خلوة، وتغريبي سياحة).
والتاريخ يذكر شعيبا والفضيل بن عياض وعطاء وأبي حازم وبن السماك وعمارة بن حمزة والأوزاعي، بأنهم كانوا زهادا صوفية، وقفوا مواقف الجراءة في تذكير الخلفاء بعيوبهم وأخطائهم، ورفضوا ما يقدم لهم من أعطيات أو هدايا، وكان الخلفاء من سليمان إلى المنصور إلى الرشيد إلى المهدي يسمعون نصحهم بقلوب واجفة، ونفوس متأهبة لقبول النصح.
وعندما وضع الغزالي أصول التصوف، نصح الصوفية باعتزال الأمراء والحكام والانصراف عن موائدهم، حتى يكون لديهم الشجاعة ما يكفيهم لأداء رسالتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ونحن في حاجة إلى مواجه التصوف، حتى نوازن ذلك الخطر (البلاجي) وقديما كان التصوف يغزو ميادين الحياة عندما يجنح الناس إلى الترف والغنى، وينصرفون إلى