للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المنطبعة في اذهاننا، ومن بين هذه الصور الداخلة في كل امتحان دخولاً اضطرارياً صورتان، وصفهما (كانت) بدقة ومهارة وحكمة. وهما: (معرفة المكان والزمن) فان هذا المقياس ليس له قياس، أو كما يقول هو عنه ليس له حقيقة مدركة، وعلمنا المبني على مثله لن يكون نصيبه من الحقيقة اكبر منها، إذ ليس للزمن والمكان حقيقة ذاتية ممكن إدراكها، وما الزمن والمكان إلا مقاييس نسبية ابتدعناها تساعدنا على إدراك الاشياء، فهي كالمرآة التي تعكس لنا صورة العالم كما نراه نحن محدوداً بمقاييس الزمان والمكان لا كما بني على حقيقته.

وفي جهة أخرى نرى علمنا كله ليس إلا مظاهر، يضعف ويقوى بحسب الملاحظة، ولا يكون قوياً إلا بنا، لأنه لا يملك شيئاً من الجزم والقوة بنفسه، وليس ببعيد أن يكون وراء عالمنا هذا عوالم يدرك أصحابها معنى هذا الوجود، بخلاف ما أدركته عقولنا، ويحدونه بمقاييس تتباين عن مقاييسنا، والحقيقة إننا فهمنا العالم كما نود أن نفهمه، وأدركناه كما تستطيع مداركنا إن تدركه، وهذه الحقيقة التي نسجنا نحن خيوطها ستظل محاطة بالروعة والجلال، ولن تغبر الطبيعة نظرتنا إليها حتى تغير أوضاع تفكيرنا وتبدلنا بها أوضاعا أخرى

وهذه النظرة العميقة هي النقطة التي ترتكز عليها فلسفة كانت، ومثله الأعلى الذي يفترضه مثلاً أسمى من المثل الشائعة، فهو يجحد حقيقة العالم الخارجي، ويرتفع بذاته عن المادية، ويعتقد أن أدوات معرفتنا أداة للإدراك، لا تقع تحت سلطان الحواس، لأنها منعزلة عنها وأسمى منها. وبهذه الأداة نراه ينتقل إلى عالم الله والروح والوجود، ويؤسس على كل عالم منها فكرة، ولكن حقيقة هذه العوالم برغم إنها شغلت العقل وتشغله وسوف تشغله لا تزال محجوبة عنا، بل يجد كانت أن تشبثنا بإدراكها عن طريق التجربة لا يغنينا نفعاً، بل يتركنا فريسة الخيالات والاعتراضات المتتالية

الله، والروح، والوجود: ثلاثة أكون متعاقبة لا تبدو للعين حقيقتها

نقد العقل العملي

للشاعر هنري هاين دعابة لطيفة ذكرها في كتابة (ألمانيا) قال في جملة بحثه عن كانت: (ولما وصل - أي. كانت - إلى هذه النقطة التفت وراءه فوجد خادمه الكهل (لامب) يبكي،

<<  <  ج:
ص:  >  >>