فقال كانت: إن لامب ليس له إله. . . ولكن لابد له من إله يضمن سعادته في العالم) فكتب كانت إذ ذاك نقد العقل العملي، وما العقل العملي إلا نفس العقل النظري منتحياً للعمل، وهو يستمد أصوله من نفسه كالعقل النظري مجرداً من كل تجربة؛ ترى الشريعة التي يرتبها على نفسه تصير شريعة عامة، وليست هذه الشريعة محدودة بفكرة الخير والشر، وإنما هي فكرة محدودة بنفسها، تنبثق من ذاتها وتعود إلى ذاتها، فما تراه الأخلاق خيراً يكون خيراً وما تراه شراً يكون شراً، وهذه الشريعة تولد رأساً من الشعور لا تفتقر إلى شيء من المنطق، ولا تحتاج إلى نظرة من نظرات العقل، وإنما هي تفرض نفسها بنفسها إذا فرضت، كأنها صيغة أمر شامل مطلق، والشريعة الأخلاقية هي لغة الطبيعة السامية في الإنسان، وقد يسمو الإنسان بقدر ما تتجلى فيه هذه الشريعة على قدر ما توائم أعماله قواعدها
وهكذا جرب كانت أن يجمع كل ما تحتوي عليه الشريعة الأخلاقية في دستور واحد يضم إليه جميع ما يركب الإنسان من واجبات في المجتمع، وهذا هو الدستور أو الكلمة الجامعة التي يريدها الفيلسوف (أعمل دائماً عملك وأنت تتمنى أن الطريق الذي سلكته يصبح شريعة عامة) أليست هذه الكلمة هي صدى الكلمة القديمة القائلة (عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به) إن هذه الكلمة لا تحدد إلا علاقة الفرد مع الفرد، وكلمة (كانت) تضع الإنسان الفرد إزاء المجتمع كله، فإذا قدر للخير أن يمتد سلطانه ويظهر أمره في الأرض فإنما تظهره جهود الناس المتضافرة وسمو طبيعتهم العالية، وهكذا بني (كانت) على هذه القواعد نظرية جديدة في عالم ما وراء الطبيعة ووجد مجالاً جديداً ليبحث عن الحرية والخلود ووجود الله بعد ما ترك العلم النظري هذه العوالم كلها فراغاً يباباً. فإذا كانت الشريعة الأخلاقية فرضاً على الإنسان وديناً لا مفر منه، وإذا كانت هذه الشريعة واجباً مطلقاً عنده، فهي ذلك لأنه قادر على إتمامها، إذا فالإنسان حر، والحرية هي ابنة الشعور الطبيعي، والحرية هي ضالة العقل العملي. وقد لا نستطيع أن نثبت وجود الحرية نظرياً، ولكنها تستمد وجودها من وجود الشريعة الأخلاقية التي يتوقف فهمها على وجودها. وكذلك الأمر في بقاء الروح ووجود الله
العقل العملي يبعث فينا نشاطاً غريباً يدفعنا إلى مثل الكمال. هذا المثل الذي يملك علينا