سلطانه كل شيء هو سلطان الخير المطلق. وإذا كان الخير المطلق شرطه الأول هو الفضيلة فهو إذا داع من دواعي السعادة، بل يوجب العقل أن تكون الفضيلة والسعادة من عنصر واحد
لنترك الخير المطلق، ولنعتبر الشريعة الأخلاقية وهماً أو خرافة، أفلا نؤمن بأن هنالك نظاما شاملا للأشياء مؤسسا على معنى السعادة والفضيلة، وأن هنالك في قلب الكون علة عاقلة تحكم وتسيطر وتربط بين الأجزاء وتؤلف وتفكك، وهذه العلة تحتم وجود الله؟
وهكذا نرى العقل العملي يقدر له الإثبات بغير برهان، والعقل النظري يعجزه أن يبرهن، ويتساءل (كانت) عن سر التنازع بين العقلين:
ولكن أليست الطبيعة التي ابتلت أحدهما بالعجز والوهن هي القاسية؟ ولكن لنفرض أن الطبيعة قد وافقتنا على أمانينا، ومنحتنا ما تمنيناه منها، ووهبتنا أنوار الهداية التي نهيم فيها، ولنفرض أن البعض مناقد ملك عليها، فماذا تكون النتيجة؟ أتدرونها؟ سيكون الإله بعظمته وروعته متمثلاً في أعيننا وفي أنفسنا، نطيع شريعته المرسومة طاعة عمياء لا نحيد عنها ولا نعتسف طريقها، ولكن أعمالنا هذه لا يقودنا إليها إلا عصا الرهبة تأتيها خالية من الفضيلة المبتغاة لذاتها، وهل يكون كل إنسان في كل ما يأتيه إلا كالآلة الميكانيكية تأتي ما يطلب منها وتؤمر به غير واعية ولا شاعرة؟ إن كل شيء يمشي في السبيل القويم؛ ولكنك تتلمس باطلاً نسمة الحياة تلفح هذه الوجوه الشاحبة التي أكلها السأم. . .
والآن، ونحن على هذه الحالة قد دلتنا الكائنات على عظمة المبدع ونزل فينا شرائعه الأخلاقية من غير أن تمنينا بالوعود أو تروعنا بالوعيد، وانفسح لكل واحد منا سبيله يبلغ به المثل الأعلى في الوجود
وفي النهاية يقول كانت إن النظام الإلهي مؤسس على شريعة الأخلاق، فإذا وجد الله، وإذا خلدت الروح فذلك لأنني أشعر بأني أحيا حراً، وأن حريتي بدون وجود الله وخلود الروح تغدو وهماً باطلاً. الإله الحقيقي - عند كانت - هو الحرية، ومما إله الديانة إلا وزيره الأول، وهو يحترم الدين بقدر ما يرعى للأخلاق والفضيلة عهودهما وذممهما، ويرى أن ممارسة الخير هي أسمى عمل يحبه الله