ومن هذا القبيل موشح الشاعر العراقي محمود الحبوبي استوحاه من تغريد طائر على شجرة فحداه ذلك دلك إلى وصف الحياة والناس، متمنيا لو كان للبشر نصيب من حياة الطائر المرحة الوديعة لعلهم يرجعون إلى صوابهم وينبذون ما أفسد عليهم سعادتهم.
ولو أردنا أن نعدد الأمثلة على ما للطبيعة الحية من أثر في أدبنا الحديث لطال بنا سفر الكلام.
النزعة التاريخية:
ولم يكتف أدباء هذا العهد بمناجاة الطبيعة وبثها ما يشعرون به، بل كثيراً ما تراهم ينظرون من خلالها إلى التاريخ حيث يتجلى لهم جلال القدم وحوادث الزمان. والذي يلاحظ أن هذه النزعة تكاد تكون مفقودة في أدبنا الماضي. ومن أمثلتها قصيدة احمد شوقي (أيها النيل) ومطلعها:
من أي عهد في القرى تتدفق ... وبأي كف في المدائن تغدق
ومن السماء نزلت أم فجرت من ... عليها الجنان جداولا تترقرق
وفي هذه الوقفة التاريخية يصف النيل مسهباً ذا كراً ما قام على ضفافه من ممالك وأديان ومن مشى عليها من أنبياء وفاتحين، وأنه كان مهد الحضارة والعلم وموئل الحكمة ومصدر النور.
ومن الأنهار الشرقية الموحية للذكريات التاريخية: الفرات ودجلة والأردن والعاصي وبردى واليرموك ونهر الكلب قرب ببيروت وسواها. ومن البحيرات طبريا والبحر الميت.
ولا تقتصر الوقفات التاريخية على الأنهار والبحيرات، بل تتناول أيضا الجبال والأودية كجبل الشيخ والكر مل وطور سينا ووادي موسى وسواها.
وكما يتأثر الأدب الحديث بالطبيعة الشرقية يتأثر بالطبيعة الغربية. وقد نشر الشاعر محمد عبد الغني كلمة في مجلة الرسالة موضوعها (شعراء الشرق والطبيعة الغربية) ذكر فيها أن