وقد نأخذ على الجواهري إخلاله بوحدة القصيدة، وأرى أنها تتعذر على الشاعر السياسي الذي تتمدد أمامه مظاهر الفساد فيريد أن يلم بها وينبه عليها فوق كل منبر يعتليه، فإذا تركنا الشعر السياسي إلى غيره وجدنا الشاعر يلتزم الوحدة في اكثر ما قال، وللقارئ أن يطلع قصائده الوصفية مثل دجلة في الخريف أو الفرات الطافي؛ أو الأصيل في دجلة أو سامرا، فسيجد ما يرضيه من وحدة الموضوع، وترابط المعاني، وتناسق الأفكار. ويهمنا أن نشير إلى مقطوعاته الغزلية الرقيقة التي نظمها في حبيبته الباريسية (أنيت) فقد ظهر فيها الشاعر جديد في أخيلته ومعانية، جديد في أوزانه وقوافية، جديد في نظراته الباسمة للحياة، مع انه لم يفارق ميزاته الثلاث، فكان صادق الإحساس، قوى التعبير، واقعي التفكير، فوق طرافة الابتكار، وجدة السياق، واختلاف الإيقاع. وأرى أن ادع الشاعر - في ختام هذا البحث لسريع - بأبيات من قصيدته الجميلة التي نظمها في وداع صديقته (أنيت) لتمتع القارئ ببعض غزله الرائق، ولنتصيد المناسبة الموهوبة بين وداع ووداع.