إلى الثلث بحجة التقشف! مصر التي تبعثر معظم ما تملكه من العملة الصعبة في شراء السيارات الفاخرة ثم لا تجد ما تشتري به مصانع أو آلات زراعية ميكانيكية أو آلات صناعية، أو حتى أدوات صحية، لأن ما لديها من العملة الصعبة محدودة! مصر التي يتعطل ثلاثة أرباع سكانها عن العمل، لأن مرافق العمل فيها محدودة ولا تملك توسيع مرافق العمل هذه، لأن ميزانيتها تحوي ملايين الجنيهات لشراء أثاث فاخر، وشراء يخوت فاخرة، وحضور ولائم ومؤتمرات ونزهات للمحظوظين!
لقد قال لي محدثي الثائر: دعوا الاستعمار لا تحاربوه الآن. نحن لا يهمنا أن يكون في أرضنا مليون من الجيوش الاستعمارية. إذا كان لدينا عشرة ملايين فقط من المواطنين المتعلمين. إن ألمانيا بالجيوش الروسية والأمريكية والإنكليزية والفرنسية، ولكن الجميع يترضونها، لأن الشعب الألماني شعب متعلم، لا يمكن أن تحكمه جيوش المستعمرين. .
وقال: دعوا الكفاح الاجتماعي لتعديل الأوضاع الاقتصادية - وحتى الدستورية - فهذه الأوضاع التي تشكون منها ستعدل نفسها بنفسها يوم يستحيل الشعب المصري أو أي شعب عربي أو إسلامي إلى شعب متعلم. .
كنت أريد أن أفهم محدثي أن هذا كله صحيح، ولكن هنالك أشياء أخرى يجب أن تكون في الاعتبار. لولا أنه لم يترك لي فرصة للكلام؟
نعم. إن الاستعمار لا يملك أن يعيش في بلد متعلم. . نعم إن الحرمان لا يمكن أن يدوم في شعب متعلم. . نعم إن الطغيان لا يمكن أن يقوم في وطن متعلم. . نعم. كل هذا صحيح؛ ولكن بقي أن نعرف: من هو الشعب المتعلم؟ ومن هو الفرد المتعلم؟
إنني أومن بقوة المعرفة. أومن بقوة الثقافة. ولكني أومن أكثر بقوة التربية. . .
إنني أنظر في تاريخ الاستعمار، فلا أكاد أجد له إسنادا إلا من المتعلمين. . كل الرجال الذين قدموا للاستعمار خدمات ضخمة. الذين مهدوا للاستعمار ومكنوا له. الذين كشفوا له عورات البلاد ومقاتلها. الذين تولوا عنه تحطيم معنويات الوطن وقواه الكامنة. الذين جعلوا أنفسهم ستاراً لمساوئ الاستعمار ومخازيه. . كلهم. . كلهم كانوا من المتعلمين!
كذلك كان الذين مهدوا للطغيان وأعانوه استمرءوا سلطان الجبابرة وهم يؤدون ضريبة الذل والعبودية الذين استغلوا النفوذ للإثراء على حساب الشعب. الذين أفسدوا ضمير الشعب