للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالمحسوبية والرشوة والسرقة والغش. الذين خانوا الوطن والأمانة والخلق والضمير. . كلهم كانوا كذلك من المتعلمين!

نعم. إنه لو كانت الشعوب أو كثرتها من المتعلمين ما أمكن للسماسرة أن يسلموا البضاعة بهذا اليسر وهذه السهولة. هذا صحيح. ولكنه صحيح كذلك أن (الصنف) المتعلم الذي تخرجه المدارس في بلادنا اليوم، ليس هو الذي يقف في وجه التيار، وليس هو الذي يستعصي على السماسرة، بدليل أن كثرته يجرفها تيار العبودية والذل والفساد، دون أن ترفع رأسها، ودون أن تدافع عن كرامتها، بل عن إنسانيتها. . إن أنشودة (أكل العيش) هي النشيد القومي للجميع! وأكل العيش ممكن في ظلال الكرامة لو أرادها الجميع.

إن التعليم الذي نزاوله في مصر، ومعظم البلاد الإسلامية، تعليم فاشل، بل تعليم قاتل. إنه تعليم بلا تربية، بل تعليم يكافح التربية. إن المدارس والجامعات تخرج لهذه الأوطان فتاتاً آدمياً وحطاماً بشرياً. تخرج له عبيداً. نشيدهم القومي الخالد هو أنشودة (أكل العيش)!

لست أنكر على الشباب المتعلم أن يطلب رزقه، فالحياة لا بد أن تعاش. والمال عصب الحياة. بل لست ألوم هذا الشباب المتعلم، فلو وجد هذا الشباب أجيالاً من الأساتذة الصالحين، وتقاليد من النظم الصالحة، لكان أفضل شباب الأرض. ولكني أقرر الحقيقة المؤلمة، حقيقة أن معاهد التعليم في مصر كلها وفي معظم البلاد الإسلامية الأخرى. . لا تخرج رجالاً أحراراً بقدر ما تخرج عبيدا أرقاء. ولا تخرج شخصيات متماسكة بقدر ما تخرج فتاتاً آدمياً وحطاما بشرياً. . . إنها معاهد خاوية من الروح. . وهذا مفرق الطريق.

إن نظم التعليم وخططه ومناهجه وكتبه. . وأخشى أن أقول أساتذته. . لا يمكن أن تخرج رجالا أحراراً مفكرين مستنيرين. إلا الشواذ الذين يكافحون الجهاز التعليمي كله ويخرجون من براثنه سالمين.

ولقد كان ذلك قائما قبل تلك الفوضى الأخيرة، التي سميت (مجانية التعليم). إن التعليم كان يجب أن يكون بالمجان. وكل بلاد العالم المتحضر التعليم العام فيها مجان. ولكن المجانية شيء والفوضى شيء آخر. والذي حدث والذي تحقق هو الفوضى. أما المجانية فليس فيها قولان فقط، بل عدة أقاويل!

لقد كان الآباء يدفعون عشرة جنيهات للمدرسة الابتدائية أو عشرين جنيهاً للمدرسة الثانوية؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>