فتقوم عنهم بتعليم أبنائهم، ذلك التعليم الخاوي من المثل الخاوي من الروح. . فأصبحوا اليوم مكلفين - من استطاع ذلك منهم - أن يدفعوا للدروس الخصوصية عشرين أو ثلاثين أو خمسين جنيهاً ليحصلوا لأبنائهم على النجاح في الامتحانات، لا عن طريق التعليم الخاوي من المثل الخاوي من الروح. بل عن طريق اطلاعهم على أسئلة الامتحان وتيسير الغش فيه!
إنها الكارثة. الكارثة المضاعفة التي تربي على ما كنا فيه
إن التعليم الذي نزاوله، والذي كنا نزاوله قبل حكاية المجانية الزائفة؛ ليس هو الذي يؤدي إلى كفاح الاستعمار، وكفاح الطغيان، وتعديل الأوضاع الاجتماعية المخلة بكرامة الإنسان. .
إن التعليم لكي يؤدي مهمته هذه يحتاج إلى تعديله من أساسه. . ومما يؤلم النفس إن هذا التعديل لا يحتاج إلى مال غير الذي ننفقه. وقد لا يحتاج إلى رجال غير الذين يزاولون اليوم مهمة التعليم. ولكنه يحتاج فقط إلى إيمان بهذا التعديل الشامل، وإلى عقليات قليلة ناضجة تشرف على التنفيذ. .
أم لعلني أمام عقدة العقد، وأنا أحسبها من الهين اليسير؟!
ألم أحاول مرة أن أغير نظام دراسة اللغة العربية ليقام على أساس سليم عام ١٩٤٣ ففشلت. وكان الأمر يومها متروكاً إلى سعادة المستشار الفني الدكتور طه حسين؟!
ألم أحاول مرة أن أغير نظام دراسة التاريخ ليقام على أساس سليم عام ١٩٤٧ ففشلت وكان الأمر يومها متروكاً إلى معالي الوزير المعارف الدكتور عبد الرازق السنهوري؟!
ألم أحاول عشرين مرة - بعد عودتي من البعثة إلى أمريكا - أن أنشئ لوزارة المعارف أداة فنية صحيحة، تقيم نظم التعليم ومناهجه على أساس سليم، ففشلت في هذه المرات كلها فشلاً ذريعاً؛ لأن المراد في هذه المرة كان إصلاحاً في الصميم؟!
لقد أفلح الاستعمار في تطعيم عقلية وزارة المعارف بالميكروب الثابت. . إنه يبدو دائماً في صورة كبار الموظفين!
نعم يجب أن ينتشر التعليم؛ ولكن أي تعليم؟ يجب أن يقوم هذا التعليم على أسس ثقافية سليمة، وعلى أسس تربوية سليمة. نعم وينبغي أن تكون له مثل، وأن تكون به روح.