المشاكل الاقتصادية والآفات الاجتماعية فإذا استبدلت بصاحب المصنع الدولة كمالك لمنشأة اقتصادية فإن العامل في هذه المنشأة سيظل يعتقد بأنه مهضوم الحقوق. ويجب أن لا يفهم العامل أن سياسة التأميم تجعله مالكاً للمصنع الذي يعمل فيه وإلا تولدت فوضى اقتصادية واجتماعية لا يقوى على ضبطها إلا نظام إداري قاس يعصف بالحرية الشخصية ويضع العامل والمجتمع في ظل حكم ديكتاتوري لا ترضى عنه فلسفة الاشتراكية البريطانية ومفهومها للعدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية.
واستنادا إلى مثل هذا المنطق يبرر خصوم المستر بيفان في الرأي تساهل حزب العمال في سياسة التأميم وقبولها لبرامج التسلح وتحالفها مع الأمريكان في السياسة الخارجية. فهم لا يوافقون المستر بيفان على أن روسيا السوفيتية راغبة في السلم، وأن قصور إنتاجها من الحديد والمواد الخام عن اللحاق بإنتاج حلفاء الغرب رادع لها من الدخول في المعركة الفاصلة. فقد دخل هتلر الحرب العالمية الأخيرة وكان إنتاج بلاده من مواد الاستعداد الحربي يقل عن إنتاج خصومه عدة مرات. ومع ذلك استطاع هتلر أن يبني آلة حرب جبارة شغلت العالم بأسره عدة سنوات طوال.
والطريف في معركة (الكراريس) هذه أنها سجل لاتجاهين هامين في التفكير السياسي المعاصر في بريطانيا وفي كثير من بقاع العالم الأخرى؛ فقد رسخ في عقلية المجتمع الإنساني الأكبر أن كيانه الاقتصادي والسياسي والاجتماعي أصبح في حاجة ماسة إلى أسس جديدة من العدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص الاقتصادية. والدعوة لهذا الإصلاح تجد صداها البعيد في أوساط الاشتراكيين في أوربا الغربية وفي رجال (العهد الجديد) من أتباع الحزب الديمقراطي في أمريكا؛ صدى يتجاوز الانفعال العاطفي ويتخذ البرامج الحزبية والسياسية العملية وسيلة لتنفيذ هذه الأسس الجديدة.
ففريق من هؤلاء الاشتراكيين لا يزال يؤمن بأن السياسة التطبيقية للمبادئ الاشتراكية يجب أن تتقيد بحرفية النظريات حتى لو استلزم ذلك تقييد الحرية الخاصة لطبقة معينة من المجتمع لا تنوي لهذه المبادئ خيراً. والمستر بيفان أميل إلى هذا الفريق منه إلى الفريق الآخر الذي ينظر إلى الأمور نظرة واقعية فلا تعترف بأن أسباب الطمأنينة المادية للفرد كما تسعى لتحقيقها النظم الشيوعية المطلقة ستوفر لهذا الفرد سعادة في المجتمع. فهناك