رمضان ١٢٩٨ هجرية، ولما انتقل بي والدي في حوادث المهدية إلى الشيخ الطيب بمديرية الخرطوم شمالا وبلغت من العمر سبع سنين أدخلني مكتبا (خلوة) لقراءة القرآن عند عمي الزاهد الورع الشيخ زين العابدين، ثم تنقلت في مكاتب أخرى تبلغ العشرين عدا، وكان والدي يأمرني أثناء قراءة القرآن بحفظ متن الآجرومية صورة لي بنفسه مع متن الكافي في علم العروض والقوافي، ويعد استرجاع السودان ودخول الجيش المصري طلب (كتشنر) من والدي إلحاقي بالمدرسة الحربية المصرية فدخلتها يوم ٢٨ مارس ١٨٩٩ وبعد سنتين استعفيت لأني رأيت أن لا أمل لي في الترقية وإن كنت أول الناجحين في الامتحان) ثم يسترسل المترجم فيذكر أساتذته الذين ثائر بهم فيقول: (إن أولهم كان أباه الذي حثه على حفظ أشعار الفحول القدامى ثم أستاذة الجليل المرحوم الشيخ عثمان زناتي الذي كان في طليعة الشعراء والأدباء في زمانه ومن رثائه له يستبان لنا ذلك حيث يقول:
فيا رحمة الله حلى بمصر ... ضريح الزناتي عثمانية
غذاني بآدابه يافعا ... وقد شاد بي دون أترابية
ويا شبيه الحمد إن القريض ... اعجز طوقي وأعيانية
أعرني بيانك اسمع به الأ ... صم، وانطق به الراغية
وهذا كل ما يعلمنا عنه الشاعر من سيرته التي كتبها بقلمه ولكننا لو رجعنا إلى مقدمة الكتاب التي كتبها الأستاذ محمد فريد أبو حديد بك نراه يوضح المميزات الخاصة بشعر العباسي وتأثره بالحياة المضطربة التي عاشها في السودان والحوادث السياسية التي تعرض لها والتي صحبته في أواخر القرن المنصرم، قال:
(فالسيد العباسي إذا صدح في شعره أحسست في موسيقاه أصداء أناشيد الشريف الرضى إذ تتردد في شعره حرارة السرة السادة الذين يحسون مسئوليتهم في المجتمع، وتجمع معها نغمة أخرى من كرامة السادة الذين يحسون قصر اليد عما يريدون، وإذا كان شعر السيد يمثل لنا ديباجية موسيقى السيد الكريم فإن فيه ألواناً أخرى تذكرنا بأرواح يملؤها الطموح وتتقد فيها حرارة القلب القوى الذكي إلى فن الشاعر الذي يغوص إلى اعمق المعاني ويصورها في ابرع اللوحات. ثم هو في ديباجته فذ لا يكاد يجد. الناقد عديلا ألا في عباقرة الشعراء من قدماء ومحدثين وإذا أردنا نحن أو أردنا ناقد آخر أن يكشف للقارئ عن تلك