للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على أن الغريب حقاً هو فزع بعض المسلمين من تطبيق مبادئ الدين. ونحن لا ندري علة لفزعهم هذا. هل نقول إنهم عملاء للمستعمرين؟ هل نقول إنهم يجهلون من أحكام دينهم ما لا يصح أن يجهلوه، هل نقول إن معين ثقافتهم الذي استقوا منه يحارب الإسلام في خفية، ويعكر صفوه، ويطمر موارده النقية؟ انهم على أي حال يعملون غير ما نعمل، ويشخصون إلى غير أفقنا.

مثل واحد بسيط للدلالة على لون التفكير اللاديني الذي يسيطر على بعض المسلمين، وهو في الموضوع الذي أشرنا إليه من قبل واقتبسنا فقرات منه، إن الكاتب المسلم يستوحي دينه في إعطاء المرأة حقوقاً سياسية أو غيرها، ويرجع إلى أحكامه يستفتيها، وعليه أن يلتزم ما تفتيه به هذه الأحكام، فإن أفتته بالإباحة فهي الإباحة، وإلا فالتحريم الذي لا وجه فيه لحل بعد ذلك. والكاتب اللاديني، المسلم رسمياً، اللاديني عملياً، يسارع إلى أمم الغرب يسألها ماذا فعلت؟ وكيف وصلت إلى ما وصلت إليه؟ ومن الذي أعانها؟ وعلى خطوة أو خطوتين أو خطوات؟ وهناك! عند تقاليد هذه الأمم، وميراثها، وشرائعها، يجد الجواب الشافي الذي لا يحس حرجاً في الأخذ به والاعتماد عليه!

(ففي إنجلترا لم تنل المرأة حقوقها الانتخابية لأول مرة إلا في سنة ١٩١٨ ونالتها عندئذ جزئية، محدودة، ولم تنلها كاملة إلا في سنة ١٩٢٨. وفي أمريكا لم تمنح هذه الحقوق إلا في سنة ١٩٢٠، وبعد محاولات عديدة متوالية شملت كل ولاية بمفردها. . . . . . والمرأة لم تحصل على حقوقها الدستورية في بعض الدول الأوربية العريقة مثل فرنسا وإيطاليا والنمسا إلا بعد الحرب العالمية الثانية. ولم تحصل عليها في بلجيكا إلا في سنة ١٩٤٨، وفي ألمانيا الغربية في سنة ١٩٤٩)

وعلى هذا فإنه لا يجوز أن تحرم المرأة الحقوق السياسية ما دامت هذه الدول الغربية العريقة قد أعطت المرأة هذه الحقوق. يجب أن تعطى هذه الحقوق، دون نظر إلى ما يقوله ديننا في هذا الموضوع، لأن أحكامه عتيقة لا توافق مقتضيات العصر ولا روح التقدم. المهم أن نكون كهذه الأمم التي قلدناها، وقصصنا آثرها، وأسلمنا زمامنا لآدابها وتقاليدها وروحها. . . أما أثر هذا التقليد فينا. . . وأما وقوعنا في قبضة هذه الأمم تستغلنا. . . وأما انهيارنا الاجتماعي والاقتصادي والسياسي بسبب تشربنا روح هذه الأمم وآدابها - كل هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>