لقد تميز أسلوب هذا الكتاب بالأصالة التعبيرية الفنية؛ فليس ثمت حشو، ولا إملال ولا صنعة. بل توافق، وتساوق، واتساق في أناقة شعرية ترف بين السطور فتلمع إلى الذوق الكتاب والكاتبة!
عرضت الأديبة حياة المفتنة المبدعة عرضاً في صدق وإخلاص وصفاء، ولهجت بوفاء (أم كلثوم) في غير موضع مما يدل على نقاء النفس، وطيب السيرة، وألمعت إلى (تحفظها) واستحيائها وانطوائها؛ ثم انطلاقها، ومسايرتها، وانفعالها في تحفظ وتوقر وأناة - وقد استغرق الحديث عن هذه النواحي نصف الكتاب ولا غرو فهو تأريخ فني يستدعى الإفاضة، والاسترسال والإيضاح.
هذا النزوع الفني من الأديبة دال على تأصل في الفهم وانفعال بالفن ومظاهره، لكنها أهدت الكتاب إلى (قيثارة الله) وهذه الإضافة لا تقع في نفسي موقع القبول، وكان في مقدور الكاتبة أن تهديه إلى (منحة الله) أو (هبة الله) أو ما أشبه التسمية التي تؤدي القصد من دون تحرج ولبس. ولا يقال إن للفن تعبيره الذي لا يتقيد بقيود، فهو متصل بالروح المجرد، لأن الأديبة قالت في موضوع آخر معبرة عن رأي (أم كلثوم) في حقيقة الفن (والفنان) فاهمة تعابير (الخيام) أنه: (إذا استشف فاعل المنكر ما وراء الأشياء، وشرب الخمر شاربها بعقيدة أنها تخلصه من عالم المادة وتساعده على النفاذ والمضي إلى ما وراءها؛ فهو ليس بآثم بنظر الفن) ثم تقول في موضوع آخر ص ١٣٠: (الفنان كالصوفي لا يتحرج من الأشياء تحرجاً ظاهراً كتحرج الفقيه؛ بل الخيرية والشرية عنده تتوقف على النية) هذا كلام وقفت عنده لأنه تخريج بعد عن القصد مما يتجه إليه المذهب الصوفي في أرقى مظاهره؛ فالمتصوف يتجرد عن المادة ليصل إلى الذات، وما جاء مشكلا يرد إلى الحقائق المجردة، أما (النية) فقدر مشترك لا يمكن الحكم عليه حكماً ذاتياً، وإباحة الفنان المعصية باعتماده على (حسن النية) لا يخرجه عن الإثم، فالملابسة أقوى دليل على العزم، والعزم مظهر النية ومدلولها، وهذا الاتجاه في فهم التصوف يتلاقى مع قول بعض المغرقين:(اعص الله لتعرف كيف تبكي وتعبده)!
على أن ذكر (الخمر) في الكلام الصوفي ليس القصد منه مادتها؛ بل الغرض (الغفلة عن