للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليت الشباب عاد لي ... بعد المشيب والكبر

حتى أرى أين محط ... الرجل كم كف القدر

أو قوله:

واليوم قصر بي عما أحاوله ... وعاقني من لحاق الركب ما عاقا

وأنكر القلب لذات الصبا وسلا ... حتى النديمين: أقداحاً وأحداقا

أحبو إلى الخمس والستين من عمري ... حبواً وأحمل أقلاما وأوراقا

أو قوله:

ما أنس لا أنس إذ جاءت تعاتبني ... فتانة للحظ ذات الحاجب النوني

يا بنت عشرين والأيام مقبلة ... ماذا تريدين من موءود خمسين؟

أو قوله:

ولى شبابي وانطوت ... أيام غصني الندي

جادك نجاح الحيا ... من مبرق ومرعد

لأنت ريحان القلو ... ب عدت أو لم تعد

وهكذا فنحن كلما قلبنا صفحات الديوان لا تقع أعيننا الإ على ذكرى مؤلمة لشباب مضى. . فهو كلما مرت به عجلة الحياة سجل أعوامها في شعره وهذا يرجع سببه كما يقول (علماء النفس) إلى كبت عواطفه وعدم الانسياق في ظرف اللهو التي يزينها الشباب وعدم إطاعة نوازع الجسد في دور الصبا؛ وذلك لوجده في بيئة جامدة محافظة ووجوده بين أحضان عائلة دينية متمسكة بتقاليدها، لذلك نجد طابع الألم مرتسما على كل بيت يذكر فيه شبابه كما يفعل اليوم أكثر الرجال الذين يحرمون في شبابهم من متع الحياة لفقرهم أو لانصرافهم إلى العلم ولكنهم عندما تتاح لهم الفرصة ولو في كهولتهم نراهم يركضون وراء الملذات كأنهم منطلقون من السجون، كما حدث للشاعر الرصافي فإنه بعد أن قضى شبابه وهو منطو على نفسه رأيناه في صدر رجولته يعب من كؤوس اللذة عبا، دون ما وازع أو رادع

ولذلك فإن العباسي محق ببكائه على أيام شبابه لأنه حرم من لذته وهو في كل ما قاله صادق العاطفة يحس فيه قارئه حرارة اللوعة وصدق الإيمان

إلى هنا نمسك عن الحديث لنترك المجال إلى غيرنا للكتابة عن هذا الشاعر لنعود مرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>