الصادقة حين تخفق (هذه العوامل) في تلبية حاجته عندما تدهمه بعض حقائق الحياة القاسية مما لا تقوى على ترويضها فنون الاقتصاد والسياسة والخدمات الاجتماعية. فهذه المعاول مجردة من العنصر الديني والروحي العميق ليست سوى آلات ميكانيكية لا تتأثر لانفعال المرء ولا تستطيع أن تعبر عن حمايتها له وعفها عليه حين يعتريه في صراعه مع الحياة وقيامه بواجبات الجيل ومسؤولياته. الفتور والفتنة والكآبة. فهذا النوع من الإيحاء والطمأنينه والعطف والحماية مقصور على الصلة الروحية التي تربط المرء في جميع الأجيال بهذه العناية الإلهية الرحيمة الرءوفة السمحة التي تعيد إلى النفس الثقة وتبعث في قرارتها القوة والعزم فتدفع عنها بالإيمان والاختبار الروحي الصادق شر الفتنة ومساوئ الفتور وبلية الكآبة وأمراض القلق وعلل الشك.
ومن ثم يجد الذين اقتصروا في تسلحهم لمواجهة مسؤوليات الجيل ومشاكله على فنون الاقتصاد والسياسة والاجتماع واستمدوا من فلسفتها ذخيرتهم الروحية - يجدون أنفسهم في حيرة شديدة. . فإذا تبين لهم أن الشيوعية لا يمكن أن تطبق إلا في ظل النظام المطلق فتصبح قاسية في حكمها على الطبيعة البشرية اتجهوا إلى الاشتراكية أو الديمقراطية كما تفسر في أوروبا والعالم الجديد لعلهم يجدونها أكثر سماحة في توجيه السلوك الإنساني في أقرب المسالك لتحقيق ما يتطلع إليه أهل الجيل من عدالة ومساواة.
ولكن طبيعة السلوك الإنساني وتسيار الحوادث أكثر تعقداً وأشد قساوة من أن تلين لهذه النظريات. وما أكثر ما يقف الذين اختاروا هذه المعاول (المادية) واجمين قلقين حين يعتري مسلكهم في التفكير والعمل نكسات تدفعهم في ساعات التجرد والتأمل أن يكفروا بهذه المعاول أو أن ينفروا من إحداها ليلتجئوا إلى أخرى؛ وهكذا دواليك.
ويجب أن لا يساء الفهم في هذا التحليل. فليس القصد أبداً إنكار النفع في هذه المعاول - هذه المبادئ والنظريات اشتراكية أم ديمقراطية أو غير ذلك من الأنظمة المعاصرة فهي أيضا جزء من تراث الماضي وأسلحة لابد للجيل من أن يلجأ إليها ليواجه مسؤولياته ويحقق مطالبه. إنما القصد بيان الدور المهم الذي يمارسه التراث الروحي (وهو الجزء الأهم من تراث الماضي) في سلوك الناس ومبلغ الإيحاء والقوة الدافعة التي توفرها الذخيرة الروحية للذين يتسلحون بفنون العلم والنظم الحديثة ومعاولها لبناء المجتمع الجديد.