للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإنك لا تستطيع إلا أن تعجب لهذه البلاغة التي عبرت بها مؤلفتنا الشابة عن هذه الصلة بين فنون العلم ونظمه الحديثة وبين القوة الروحية الكامنة في تراث الماضي. فهي تقول بأنها لا ترغب في شيء أشد من رغبتها في أن تتعمق في عشق المجتمع وكل ما في الكون من جمال وقبح. فهي لا ترغب في أن يعيش الجيل في برج تحيط به سحب الروح وينغمر في تراث الماضي، فهي تشارك الناس صراعهم في الحياة اليومية (وفترة اشتراكها في حركة المقاومة السرية الفرنسية للاحتلال النازي شاهد على ذلك) ولكنها شديدة الرغبة كذلك في أن ترتفع بنفسها وبأهل الجيل عن هذه (العزلة النفسية) القاسية التي يمرون بها كلما عجزت فلسفة العلم ومعاول النظم الحديثة عن أن تحل مشاكلهم وتمهد لهم طمأنينة النفس واستقرار الروح.

وهذا الارتفاع لا يكون إلا بتوطيد الصلة بين الجيل الجديد وبين العناية الإلهية والذخيرة الروحية العميقة التي خلدها تراث الماضي.

فهي تستهل مؤلفها في فصل عن (الحاجة إلى الروح) وهو مثال طيب للمنطق الفرنسي حين يتعمد أن يضع قاعدة فكرية يؤمن بها ويدعو الناس كذلك إلى الإيمان بها.

فالحاجة إلى الروح تستند إلى افتراضين:

أولهما: أن الله موجود وكل شيء في الكون والسلوك الإنسان يثبت وجوده، فلا العلم ولا النظم الفكرية قادرة على أن تنفي هذا الوجود وحاجة الناس إلى إدراكه واستيحاء رشده العلي وهداه. وأن الله تعالى بصفته جوهر الكون هو الجذر الأوحد لتراث الماضي والعنصر الرئيسي في ذخيرته الروحية.

وثانيهما: أن فشل العلم الحديث ومعاول النظم الاقتصادية والسياسية في الاعتراف بحاجتها على هدى الله قد أوجد هذه المساوئ وهذا التفكك والتشويش والقلق الذي يهيمن على أفكار أهل الجيل وسلوكهم.

وقد بلغ من حماس هذه المؤلفة الفرنسية لتعزيز الحياة الروحية في هذا العالم القلق أن دعت في كتابها إلى سن أقسى التشريعات ضد الذين يتعمدون تشويش الحياة الروحية من المجتمع من الطامعين في السيادة السياسية والسيطرة الاقتصادية، وفي الكتاب والفنانين الطامحين إلى المجد الفني مع شل الدين والقيم الروحية (الذين يبثون في عقول الناس

<<  <  ج:
ص:  >  >>