إذن فما كانت أنظارنا خلال الحديث ترمق قصر المنتزه باعتباره حصن الأمل لمصر البئيسة، ولا باعتباره كعبة الرجاء التي يجب أن يرتكز عليها محور الجهاد والنضال في سبيل الوطن، ولا باعتباره أي معنى من المعاني التي يسر لها ويطمأن إليها، وإذا كان يطيب لأناس - زعماء كانوا أو غير زعماء - أن يسرفوا إسرافا بغيضا في صياغة العبارات التي تجعل هذا القصر وأخواته بمثابة قلاع حصينة لمصر، ومشاعل مضيئة لنهضتها، والتي تجعل ساكن القصر وحاشيته في صفوف الملائكة الأطهار، والمجاهدين الأخبار، والمخلصين الأبرار، فليس معنى هذا أنهم صادقون نزهاء ما دامت لهم مصالح يبذلون في سبيلها شرفهم وكرامتهم، إن كان فيهم بقية من الشرف والكرامة، ومادام تكوينهم الشخصي لا يؤهلهم إلا الحياة الذلة والملق والصغار. وإذا كان يطيب للشعراء أن يصوغوا الثناء والمديح في لآلئ من القصيد، ويضفوا على العرش وصاحبه (المفدى) ألقابا من صنع الخيال الفاسد، ونعوتا من الملق الزائف. فليس معنى هذا أنهم حجة فيما ينشدون وفيما يضفون من ألقاب ونعوت. . .
أخذنا نتحدث تارة همسا خفيفا، وتارة أخرى بأطراف الشفاه، وحديثنا يدور حول محور واحد، هو أن القصر موطن البلاء، وأساس الفساد والعقبة الكأداء في طريق كل نهضة من شأنها إلى أن تصل بمصر إلى القمة، وإن حاشيته لم يكونوا في يوم من الأيام سوى سماسرة على حساب البلد المنكوب؛ وعصابة مغامرة ستقذف بالعرش إلى الهاوية إن قريبات وإن بعيدا، وما جهاد الأحزاب وزعمائها إلا لوان من التخدير والتغرير بالشعب الصابر المصابر. وليس للأحزاب المصرية وزعمائها من هدف سوى التربع على كراسي الحكم ليتحكموا لا ليحكموا، وليستبدوا لا ليعدلوا، وليستغلوا لا ليبذلوا، وليجشعوا لا ليقنعوا. . .
قلت: إن عم الجالس على العرش هو الذي مهد للاحتلال ليحمى عرشه من غضبه الشعب، حين تلاشت شخصيته وسط أمواج متلاطمة من الفساد، وتلقى تهاني الصغار من المتزلفين وأشباههم حين انتصر الاحتلال الغاشم على شعب مصر، ووطئ بنعاله كرامة الوطن. ومن وقتها أصبح هذا الاحتلال لازما لعرش مصر يحميه من صولة الشعب حين يثأر لكرامته. وثقوا بأن المحتلين أنفسهم ليسوا بأرغب في بقاء الاحتلال من المجالس على العرش نفسه،