حقيقته بعض دوافع الحيوية في النفس. ولئن صح هذا فإن سلسلة حيوات الأدباء الذين تعاقبوا في لغة ما تؤلف امتداداً لحياة الأدب على الزمان. ومن ثم فهو كائن حي. وهو كذلك في تطور وتجد. لأنه أثر من آثار تلك الحيوات التي لا بست الزمان والمكان. وهذان لا يستقران على حال. ولهذا فقد كان الأدب في تطور وتجدد في كهولته التي نتحدث عنها إلى جانب عناصر التقليد التي انحدرت إليه من ماضيه القديم ولا تزال حية فيه
كان هذا شأنه، تجدد في مسايرة الحياة المعاصرة له. وتحجر في وسائل الأداء والتعبير. وكما تحجرت فيه صورة الأداء، كذلك تحجرت اللغة في أنفس الناطقين أيضاً. وأصبحت مفرداتها لا تدل على المعنى اللغوي منها فحسب. واندثر ما كان فيها من شحنة وجدانية، بل لقد سار النظر إلى العبارات وإلى فهمها فهماً إجماليا. ونظن الفقرة الأخيرة هذه في حاجة إلى توضيح فلنضرب لها مثلا. قال بعض الشعراء من قصيدة يحي مؤتمر جغرافيا.
يا موكب العلم قف في أرض منف به ... يناج مهداً ويذكر للصبا شانا
كان المستمع إلى هذا البيت لا يعنيه منه إلا معناه على وجه الإجمال. وهو أن العلم نشأ أول ما نشأ في مصر القديمة. دون أن يلتفت إلى النداء إلى موكب العلم. ولا إلى الأمر بوقوفه أرض منفيس تلك المدينة المصرية القديمة. ولا إلى مناجاته لمهده الأول. ولا إلى ما كان له من ذكرى شأنه في صباه، وحسب القارئ أو المستمع المعنى المجمل الذي أشرنا إليه.