للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اللهم إنه لا يعيب المرء مطلقا أن يتغير رأيه في شيء من الأشياء، ولو من صواب في الواقع إلى خطأ في الواقع ما دام الأمر موصولا بصحة الاعتقاد، ولا يعيب المرء مطلقا أن يهجر حزبا ويتصل بحزب أخر طوعا لتغير عقيدته في الحزبين جميعا. بل العيب كل العيب في ألا يفعل، وإلا كان أثما أبلغ الإثم في حق وطنه، مأخوذا في تعصبه بحمية الجاهلية التي هجنها الله تعالى في كتابه العزيز. ماذا يعيب المرء إذا تكشف له خطأ رأيه فعدل عنه إلى الصواب؟ وماذا إذا رأى شيعته قد انحرفت عن القصد، وعبثت بما رسمت من المبادئ في توجيه سياسة البلاد؟ بل الذي يعيبه كل العيب ألا يفارقها إلى من هو أصدق منها في تحقيق كريم الأغراض!

لو أن أولئك الأعيان إنما يتحولون ويضطربون بين الأحزاب المختلفةطوعاً لرأي يعتريهم، أو عقيدة تدخلها الظروف عليهم، لما استحقوا إلا الحمد والثناء. أما وهم صامدون بآرائهم وعقائدهم لكل حزب يتولى الحكم، فيهرولون لساعتهم إليه، ويعلنون انضوائهم تحت لوائه، ولا يتوانون في كل مناسبة عن الآذان بأنه الحزب الصادق السعي في تحقيق آمال البلاد، حتى إذا ما أدال الله منه بالحكم لحزب غيره، سرعان ما ولوا وجوههم شطره فأعلنوا أنهم بمبادئه مؤمنون، وأنهم تحت لوائه منضوون، لأنه قد بان لهم أنه الحزب لا حزب غيره، الصادق السعاة في إصلاح الحال، القادر الكفء لتحقيق أعز الآمال!

وهكذا دواليك لا يعقد عن هذا الرقص والحجلان وقار ولا تحشم ولا حياء، حتى أصبحوا على البلاد من أشنع المعرات، وحتى هونوا على غيرهم شأن الكرامة، وأرخصوا في الناس فضيلة الحياء، وأعلنوا أن المبادئ والعقائد مما يباع ويشترى، وأن الأهواء الحزبية مما يؤجر ويكترى، وليس في إطلاق هذا الصنع على ازلاله إلا إفساد الأخلاق، وتوطئ النفوس لقبول الضمة والهوان.

بعد، فقد تقتضيني الرأي في علاج هذا الداء، ولعله يتعاظمك هذا العلاج! اللهم إن علاج هذا لداء في بعض هؤلاء الأعيان، فإنه ما دام الحكم جارية أسبابه على مقتضى النزاهة والعدالة، والحرص على إقامة حدود القوانين، بحيث يصل المرء إلى حقه في يسر، وبحيث يحال بين المرء أيا كان وبين أن يبلغ ما لا حق له فيه بحال - لم يبق بأحد حاجة إلى اللف والدوران، والرقص والحجلان، والتشكلفي مختلف الصور، والتلون بشتى

<<  <  ج:
ص:  >  >>