للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المجلات المصورة. أما أخوهم الرابع فكان يقرض الشعر. . فخلقت هذه الأسرة التي كرست حياتها للفن جوا خاصا للأخ الصغير. . وهيأت له كل شيء لتعده إعداداً أدبياً خاصاً. . ولنستمع إليه وهو يقص علينا أحاسيسه في تلك الفترة. . .

(. . ولن أنسى انزوائي معه - يقصد أخاه الشاعر - فترات طويلة من الصمت أحدق في وجهه التائه أو أغرق معه في موجات السطور التي كانت تتلاطم على الورق وهي تشهد ميلاد شيء اسمه قصيدة. . في ذلك الجو القاتم المضيء بإيحاءات الأدب والفن أولعت بقراءة الروايات بإدمان. . ورسم الصورة بشغف. . وحفظ الشعر بسرعة عجيبة. . وأخذت أنزوي حتى عن ملاعب الصبيان الطبيعية)

ومن هذه الكلمات القصيرة التي اقتطفتها من مذكراته يتبين لنا كيف أن الأسرة نفسها دفعت بالصبي الصغير إلى الأدب بعد أن هيأت له الأجواء. . .

وفي نهاية عام ١٩٤١ أتم دراسته الابتدائية وكان من الأوائل فاختارته حكومة عدن مع زميل له لإتمام دراستهما الثانوية والعالية في السودان. وهكذا أشرف عليه عام ١٩٤٢ بحياة جديدة في أرض غريبة. حيث التحمت الأشواق بالكفاح، وامتزجت الدموع بالعرق. . وترنح العمر اللدن بين التيه والرشاد. . تيه الغربة. . ورشاد العلم.

وأخذت موجة الانتقال من بيئة إلى أخرى تعكس انطباعاتها على الخاطر وتسجل آثارها في الوعي والخيال.

وفي تلك البيئة تعرف بصديق كان له الأثر الفعال في تكوينه الأدبي إذ كانت مدرسة أم درمان الثانوية تنظر إلى هذا الصديق الساخر الكئيب على أنه شاعرها الفيلسوف. . وهذا الصديق هو محمد عثمان جرتلي الذي كان ينشر قصائد في الصحف الأدبية السودانية ويقتني كل ديوان حديث.

وعلى يدي ذلك الصديق الشاعر أخذ مترجمنا الشعر وحفظه وخصوصاً دواوين وقصائد المرحوم علي محمود طه والتيجاني يوسف بشير وفؤاد بليبل، ومحمود حسن إسماعيل. . حيث كان الظلام الملتهب على خلجات أولئك الشعراء يثير في أعماقه أصداء مماثلة ويحمله معهم بعيداً عن فجاج الأرض إلى إشراقات روحية ضافية يحس فيها بأن للحياة. . معنى غير التراب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>