للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وفي عام ١٩٤٣ أخذ شاعرنا يقول الشعر. وكانت مجلة (فتاة الجزيرة) التي تصدر بعدن. . تحمل بواكيره للقراء. . ثم وسعت له الصحف السودانية صدرها فنشرت له قصائد ومقالات وأقاصيص كما نشرت له الصباح المصرية بعض ألحانه.

وفي أوائل عام ١٩٤٦ التحق بقسم الآداب بكلية (غردون) الجامعية بالخرطوم بع

حصوله على شهادة (السينير كمبردج) بدرجة ممتازة في اللغة العربية.

وراح شاعرنا الشاب يدرج في محيط الكلية على نمط جديد من الحياة ولم يكن له أي صديق. . . فقد سافر محمد عثمان جرتلي إلى مصر والتحق بكلية الطب بجامعة فاروق الأول بالإسكندرية.

كان كل شيء حوله يبعث على الاكتئاب رغم ضحكات الطبيعة المتألقة على النيل. . وعلى الانزواء رغم صخب المحيط الجامعي ووحدته الاجتماعية. . وهذه الوحدة وهذا الألم النفسي وبعده عن دياره وأسرته زينت له الهروب من الحياة. . من واقعها المؤلم. . فلجأ إلى المطالعة وسماره دواوين شعراء الإمبراطورية الإنجليزية. شيلي. . وبيرون. . وكيتنس. . . ودالامير. . وأوبرت برولا. . ومعظم ما تخرجه المطابع العربية من دواوين.

فقد كان كل مساء يحمل بعض الكتب والأوراق إلى ركن قصي هادئ في (الألبيون هوتيل) بالخرطوم أو إلى (بي كباريه) أو إلى (حديقة المقرن) المشرفة على النيل والغارقة بالحسان والزهور والأقداح. حيث يستلهم الطبيعة الفاتنة أغانيه وألحانه. وهكذا مرت عليه ثلاث سنوات في كلية (غردون) وقبل أن ينال شهادة (الدبلوم) في الآداب بعشرين يوما كانت مطبعة (فتاة الجزيرة) بعدن قد فرغت من طبع ديوانه الأول (بقايا نغم) الذي صدره بهذا الإهداء.

أنت يا من يفيض من صدرك الغض جلال الصليب نوراً عليا

لك مني هذا الذي بين كفيك خفوق بحبك المفقود

نغم ضاع في مجاهل دنياك هياما، وجف إلا بقايا

فاذكريني بها. . فيا، رب ذكراك تعيد المفقود من دنيايا

من أمان، أضعت فيها شبابي

<<  <  ج:
ص:  >  >>