أما نقد النثر فإنه يستدرك به على الجاحظ (الذي لم يوف وصف البيان ولا أتى على أقسامه ولا أتى على أقسامه في هذا اللسان) ولهذا راح قدامة يتكلم عن البيان والقياس والعبارة وما يندرج تحتها من الاستعارة والأمثال وغيرها. بهذا ننتهي من القرن الثالث حتى إذا كان القرن الرابع رأينا حركة النقد تبلغ ذروتها على أيدي الآمدى والجرجاني وأبي هلال حيث تتسع دائرة التاريخ الأدبي وتقسيم الشعراء إلى طبقات.
ويزداد الاهتمام ببحث موضوع التعبير الشعري ومناقشة خصائص الأسلوب القرآني وتظهر الكتب القيمة في جميع هذه النواحي مثل: كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني وديوان المعاني لأبي هلال في تحليل البواعث الشعرية وتبويبها، وتتجلى الموازنة بين الشعراء وتحديد منزلتهم الأدبية في كتاب (الموازنة) للآمدى و (الوساطة) للجرجاني. كما يتمثل اقتراح البحوث.
التي بدأها قدامة وأبن المعتز، والبحوث القائمة على سوق الأدبي في كتاب (الصناعتين) موضوع البحث.
تداخل البلاغة والنقد أمر طبيعي: -
سبق القول بأن كلا من البلاغة والنقد يدور حول تحقيق الصدق والقوة والجمال في التعبير الأدبي. وهذا العرض السريع لنشأة كل منها وتطوره يوقفنا على تشابه هذه النشأة بل على وحدة الظروف التي خلقتها.
وإذا فلم يكن من الغريب أن يلتقيا في تطورهما أكثر من مرة على أيدي رجال موزعين بينهما أو قد أحاطوا بهما فتكلموا فيهما على اختلاف في الميل إلى أحدهما أو زيادة في الاهتمام به. وأرى أن طبيعة الثقافة، وحاجة العصر، وتقدم الزمن أو تأخره بالمؤلف؛ كل ذلك شارك في توجيهه ودفعه إلى هذا البحث الخاص من بحوث البلاغة أو من بحوث النقد أكثر مما كان عند هذا المؤلف من دوافع الرغبة والإرادة.
فالمبرد: أديب لغوي ثم هو من صميم العرب ولم تطعم ثقافته بهذا اللون من ألوان الثقافة الأجنبية. ولذا نراه يتكلم في البلاغة والنقد بروح اللغويين، فما جارى اللغة وساير قواعدها فهو الجيد، ولا يحتاج بعد هذا إلا إلى جزالة أو فخامة أو متانة حتى يكون بليغا. والبلاغة