ربما كانت أشد توهجا مما كانت عليه في العهد السابق. شأنها في ذلك شأن الخفقة الأخيرة في السراج.
ولقد يبدو لقصيري النظر أن تعليلنا هذا بسيط بل ساذج. ولكنهم لو ذكروا أن الأدب كائن حي كما بينا آنفا لبدا لهم غير ما يظنون. ونحن ما سقنا هذا البحث من أوله إلى هذه المرحلة؛ وما طرأ على الأدب في أثناء ذلك من تحول وتطور، إلا ليكون كله تعليلا لها. ولننتهي آخر الأمر إلى ما انتهينا إليه من نتائج طبيعية محتومة ليست في حاجة إلى تعليل ولا تحليل. وغلى هذا فقد كان أمام اللغة طور لم يفض بعد إلى غايته، وهو طور الفقه فيها وفلسفتها وتدوينها على نحو أوسع شمولا وإحاطة؟
ومما يزيدنا يقينا بأن الأدب لذلك العهد في الخفقة الأخيرة ما نراه عند شعراء البيئات العربية الموسومة بالمحافظة وعند أشياعها من مغازلة لبعض الألفاظ اللغوية. وإحساسها بها إحساساً شعريا خاصا. وهو طور الشادي المبتدئ الذي يرى في بعض ألفاظ اللغة رنينا وسحراً أخاذاً قويا. أما الفحل فيرى اللفظ مهما عذب وحسن موقعه في السمع فإنه يستمد قوته وجماله من السياق. وأجدر هؤلاء المغازلين للألفاظ بالذكر في نظرنا الشريف الرضى. ولننظر إلى بيته التالي.
يا قلب ما أنت من نجد وساكنه ... خلفت نجداً وراء المدلج الساري
فإن نجدا وساكنه والمدلج والساري كلها ألفاظ لها إيحاءات خاصة بالشريف الرضى وبأمثاله من الشعراء. ولكن البيت برغم هذا كله قوي رائع. ومصدر روعته فيما أرى أنه حقق المزاج العربي، وما يهدف إليه من شجو وشجن. وإلى هذا فقد حقق غنائية النظم أيضا. وليست هي غنائية الفطرة والسليقة التي ألمعنا إليها في العصر الأموي. وقد يقال إن الشريف الرضى يرمي من وراء الألفاظ إلى مدى أعبد مما نقول. وق يقال إنها عناصر التقليد المنحدرة من التراث الأدبي القديم. وقد يقال غير هذا وذاك. ولكن بشيء من التدقيق لا يسعنا آخر الأمر إلا أن نسلم بما نوهنا به. وقد قلنا من قبل إن الشعر في العصر العباسي الأول كان في عمومه مجرد فن فقط. وفي العصر الذي نحن بصدده قد تطور هذا الفن. وما ظنك بشاعر يقول مقطوعة من الشعر في الغزل ليست بالقصيرة، ثم لا تخرج منها بشيء إلا أن الشاعر يريد أن يقول لمن يغازله (أنت قمر). وأنا أفهم أن هذا من