الرجوع إلى كثير من الكتب التي استقى البكري مواد كتابه منها. وهذا أمر غريب جدا من أستاذ جامعي، يدرس مناهج التحقيق العلمي، ويؤلف فيه وينقد ويناقش البحوث والمؤلفات وفق قواعده. وها هي الأمثلة.
(١) في صفحة ١٢٧٤: (المهجم. . . هو خزار الجبل المتقدم ذكره، قاله الهمداني) كذا. فلنرجع إلى المصدر الأول - وهو الهمداني - لننظر هل قال هذا القول للهمداني - وهو أبو محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب المعروف بابن الحائك المتوفي في سنة ٣٣٤ تقريبا - مؤلفات، طبع منهم (صفة جزيرة العرب) والجزء الثامن والعاشر من (الإكليل وقد عول البكري على هذين الكتابين ونقل عنهما، وأثر النقل. ومما نقل عن (صفة جزيرة العرب) كلامه هذا في تعريف المهجم، ولكن النقل هنا مبتور ناقص، كقراءة من يقرأ:(فويل للمصلين) ثم يقف. وهاهو نص كلام الهمداني:(ص ١٧١ طبعة ملر، في ليدن وهي الطبعة الوحيدة): (ديار ربيعة، من العروض ونجد: الذنائب، وواردات، وخزاز - ويقال فيه خزازي. وقد يرى قوم من الجهال أن ديار ربيعة بن نزار كانت من تهامة، من سردد، وبلد لعسان من عك، وإن تبعاً أقطعهم هذه البلاد، لما حالفوه، وهذا من الأخبار المصنوعة لأن الملوك أجل من أن تحالف ألعابا، وإنما بنوا هذا الخبر على وهم وهوى، فقالوا في المهجم وهي خزة: خزازي، وفي الأنعوم الأنعمين، وفي الذنبات: الذنائب، وفي العارضة: عويرض). اهـ ملخصا. وتتضح المسألة حينما نعلم أن المهجم واد في تهامة، يصب في البحر، قرب مدينة زييد، وأنه كان يطلق عليه اسم (خزه) ويقارب هذا الاسم (خزاز) وهو اسم لجبل في نجد، بينه وبين المهجم، مفاوز وفيافي، ولهذا الجبل ذكر كثير في أشعار العرب، وله يوم من أيامهم المعروفة، بين القحطانيين، والعدنانين، وقد أورد البكري شيئاً مما ورد فيه، عند ذكر اسمه، فلما عرف المهجم قال بأنه هو خزاز المتقدم، ناقلا عن الهمداني، بل ناسبا القول إليه. اعتمادا على الكلام الذي نقلناه آنفا، والذي قال عنه الهمداني إنه مبني على وهم وهوى، وبهذا النقل المبتور الناقص اختل المعنى، وانعكس القصد.
(٢) وفي صفحة ١١٧١ - نقل عن الهمداني أيضا - يتعلق بمأرب، جله مأخوذ من الجزء الثامن من كتاب (الإكليل) وهذا الجزء مطبوع مرتين؛ مرة في العراق، والأخرى في أمريكا، ولكن الأستاذ السقا لم يرجع إلى هذا الجزء لكي يحقق النص