قال: (فهل تسمحان لي الآن بأن أستريح؟ فقالا: (نعم على شرط أن تأتي لنا بحبل أولا) فذهب وجمع أليافا طويلة لوم يزل يفتلها حتى صنع منها حبلا طويلا متينا فلسمه أليهما وأستأذن في السماح له بالراحة فقيداه بالحبل وأذنا له بأن ينام في ظل الشجرة المجاورة.
وزاد حذق الخادم في تهيئة الطعام فزاد الموظفان بدانة وصحة. وقال أحدهما للآخر وهما يتناولان طعام الإفطار: (ما رأيك يا صحاب السعادة؟ هل تعتقد أن قصة برج بابل قصة رمزية أم قصة واقعية؟).
فقال: (إنها بلا شك قصة واقعية، والدليل على ذلك كثرة ما في العالم من اللغات. وإلا فكيف تنشأ اللغات لولا تبلبل الألسن؟).
قال الآخر: (وهل تعتقد أن قصة الطوفان صحيحة؟) فقال صاحب السعادة: (نعم بغير شك. ودليلها وجود أنواع كثيرة من الحيوان) وتناول عدد الوقائع الرسمية فأخذ يقرؤه للمرة العاشرة من أوله إلى النهاية.
لكن السأم دب إلى نفسيهما، فقد كانا يذكران ثيابهما الرسمية ومعاشهما وطاهييهما في طبرسبورج فتذرف عيونهما الدمع.
وقال أحدهما: لا أعرف كيف شارع بودشسكايا الآن يا صاحب السعادة. فقال: لا تذكرني به فقد كاد يقتلني الحنين إلى الوطن.
قال الآخر: (إن الحياة هنا لذيذة لا عيب فيها، ولكن الحمل يتوق إلى ثدي أمه، ونحن نتوق إلى رؤية بلدنا وإلى ارتداء ثيابنا الرسمية في يوم قبض المعاشات على الأقل.
قال صاحب السعادة: (إن الملابس الرسمية حتى ولو كانت من الدرجة الرابعة تسر الإنسان وتنسيه متاعبه.
واستدعى الموظفان الخادم ليشير عليهما برأي لكي يعودا إلى شارع بوتشسكايا.
فصنع لهما من أشجار الغابة سفينة لن تكن كسائر السفن، ولكنها مجرد أخشاب مربوطة بعضها إلى بعض، وصنع لنفسه مجدافين ليتولى بمفرده تسيير السفينة.
وبدأت الرحلة، فكانا يلعنانه ويلقبانه بأقبح الألقاب كلما ظنا أن حياة اثنين من الموظفين ستتعرض للخطر في سفينة هذا الخادم.
وكان البليدان لا يعملان شيئا في السفينة، فنهض الخادم مع انفراده بالتجديف يهيئ لهما