للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إذن فالحركة الاجتماعية تستند إلى عنصرين رئيسين هما: (القضايا) التي أخذت الحركة على عاتقها حلها والتغلب عليها، و (الأيديولوجية) - المبادئ والبرامج والأهداف - التي تنوي التقيد بها وتحقيقها بمعونة الشعب ولمصلحته العامة. وهذا التحديد يدفعنا لأن نتساءل عن جوهر (القضايا) وعن أسس (الأيديولوجية) التي تؤدي إلى ميلاد الحركة وإلى كسبها ولاء الشعب ومعونته، ومن ثم إلى الاستقرار والنجاح.

وهنا يحسن بنا أن نقرر السلوك الإنساني لا ينشط ضد وضع ما، وفي صالح هدف معين إلا حين يمر في تجربة قاسية تؤثر في المقدمات السياسية والاقتصادية والدينية التي يعيش عليها، وفي المثل العليا التي تتعلق بها الجماعات الإنسانية؛ فالحرية الفردية والكرامة القومية والقيم الإنسانية الأصلية التي هي في قرارة النفس تتوازى في مجال المقارنة مع المصالح السياسية والاقتصادية. وقد تمر الجماعة الإنسانية خلال هذه التجربة القاسية في ألوان من المحن والملمات التي تمعن في تحدي المصلحة الشعبية ومقوماتها ومثلها العليا وقيمتها الإنسانية، ولكن الحركات الاجتماعية لا تتبلور وتنشط للعمل الإيجابي إلا حين تبلغ هذه التجربة القاسية منتهاها، وهذا لا يكون إلا إذا كان المنتهى شاملا عاما لا يقصر سوؤه على طائفة معينة أو مجموعة محدودة العدد من أفراد الأمة، وإنما يمس الكيان الشعبي بأسره، وهو كيان له سيطرة قويه على عقول الناس وأفئدتهم حتى لو ساد الناس في بعض الحالات فتور وسلبية إزاء التجارب والمحن.

وقد يتريث دعاة الحركة وقادتها والشعب بأسره قبل القيام بعمل إيجابي عاجل لحل (القضايا) وتنفيذ (الأيدلوجية) ولكن هذا التريث ليس إلا نتيجة حتمية لهول الصدمة التي أوجدتها التجربة القاسية. وعلم الاجتماع يقرر بأن الذيول التي تتولد عن هذه الصدمة لا بد لها من أن تسير على منوال المساوئ التي كانت سائدة في الوضع الذي أوجد الصدمة ودفع المحن والتجارب المريرة إلى المنتهى. وهذا يعني أن سلوك أولياء الأمر في الأمة المسؤولين عن هول الصدمة الكبرى وعن سوء الأوضاع الراهنة سيمعن في التحدي محاولة منه للقضاء على ما تبقى في نفسية الفرد وفي شعور الأمة من معنوية وكرامة. وهذا السلوك ظاهرة اجتماعية قل أن يشذ عنها المسؤولون عن الكرامة القومية الذبيحة وآلام النفس المعذبة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>