وعلى ذلك فإن ميلاد الحركات الاجتماعية (سياسة كانت أو عسكرية أو دينية) أمر لا بد منه. . . ومبلغ حماس الحركات وإخلاصها لحل (القضايا) والتغلب عليها وتحقيق (الأيديولوجية) الإصلاحية الجديدة يتوقف على الصدمات وفظاعة المنتهى.
ويمكننا استنادا إلى هذه الحقائق الاجتماعية أن نؤكد بان جوهر (القضايا) التي تتولى الحركات الاجتماعية معالجتها والتغلب عليها يتوقف على مبلغ الخطر الذي تتعرض له مقومات الحياة القومية ومصالح الشعب السياسية والاقتصادية والقيم والمثل العليا التي تعيش عليها الكثرة الساحقة من أفراد الأمة.
أما جوهر (الأيديولوجية) - المبادئ والبرامج والأهداف - التي تؤمن الحركة وتعمل لتحقيقها فيتوقف على مفهوم الحركة وقادتها لحقائق هذه (القضايا) وأي منها كان السبب المباشر للصدمة التي ألمت بالكرامة القومية وبمصلحة السواد الأعظم من الشعب. وهل سوء الجهاز الإداري هو ضعف القوة العسكرية أم فقدان القيم الدينية وانحلال القيم الأخلاقية وتفشي المساوئ الاجتماعية؟ وهل الخطر الذي يهدد الكيان القومي موجه من عدو يرتقب؛ أم أن أعداء الأمة هم الفاسدون من قادتها وأبنائها؟
وعلى مدى تقدير الحركة الاجتماعية الجديدة لحقائق هذه (القضايا) يتوقف استقرارها ونجاحها ومبلغ ولاء الشعب لها. وعلى ذلك فكلما كانت الحركة ورجالها نتاجا (شعبيا) شديد الصلة بالعناصر الأصلية التي يتكون منها السواد الأعظم من أبناء الأمة كان فهم الحركة ورجالها لحقيقة هذه القضايا صادقا أمينا، وكانت (أيديولوجيتها) مطابقة لمصلحة الشعب متمشية مع شعوره الصادق وضميره الحي ومنقذة لما يدور في خلده من آمال وما يطفح به فؤاده وعقله وعواطفه من حماس ورغبة في مؤازرة الحركة والاندماج فيها والتضحية في سبيلها كأحسن ما تكون تضحيات الأمم الحية في معركة الحياة الشريفة.
والحركة الاجتماعية الناجحة هي التي تؤمن بما تعمل. وتعزيز القول بالعمل لا يكفي إلا إذا توفر للحركة مرونة فكرية طابعها الحكمة لا التزلف. فعليها أن توازن موازنة صادقة لحاسية الشعب - أو بالأحرى أغلبيته العظمى. فإذا لمست الحركة أن جزاء كبيرا من الأمة يؤمن بان الإصلاح يجب أن يشمل إحياء القيم الدينية ومكافحة الفساد وما أولده من انحلال في القيم الأخلاقية فجدير بالحركة أن تجعل لهذه الناحية من الإصلاح مكانا راسخا في