فلنذكر هؤلاء الذين باتت أرواحهم في حواصل طيور خضر، يسرحون في رياض الجنة، ولنتذاكر ما يوجبه علينا دين الجهاد نحوهم ونحو أهليهم ومواطنيهم أجمعين، يدفعنا إلى ذلك، قول نبي المجاهدين عليه الصلوات (من جهز غازيا أو خلفه في أهله بخير فقد غزا). . فمن الذي ينكص على عقبيه، وقد بلغته دعوة إلى غزوة. . نصيبه فيها عمل صالح يرفعه، ولا يصيبه منها ضربة أو طعنة!
كان رسول الله أول من عنى بتكريم الشهداء، فقد كان - عقب المشاهد - يجمعهم في مصارعهم، ويترحم عليهم، ويستعبر، ثم يأمر بتكفينهم في أثوابهم التي استشهدوا فيها، ونزع ما عليهم من جلود وسلاح، ودفنهم من غير غسل، فقد استشهد حنظلة بن عبد الله بن أبي عامر الفاسق، وعليه جنابة، فأطلع الله تعالى نبيه على أمره، وسماه (غسيل الملائكة).
وكان يقدم للجنازة أكثرهم جمعا للقرآن. ويأمر بدفن كل رجلين أو ثلاثة في قبر واحد لما يكون بينهم من صفاء أو قرابة في الدنيا، وكان يشرف على القتلى ويقول:(أنا شهيد على هؤلاء. وما من جرح يجرح في الله إلا والله يبعثه يوم القيامة يدمى جرحه: اللون لون الدم، والريح ريح المسك)، وكان يواسي ذويهم، ويوصي بهم خيرا، ويتعهدهم بحنانه وبره، ويدعو الله لهم بالخلافة عليهم.
كان النبي على فرسه وسعد بن معاذ ممسك بلجامها، فأقبلت أم سعد تعدو نحوه. فقال سعد: يا رسول الله، أمي. . فقال النبي: مرحبا بها. فلما وقف لها، دنت منه، وأخذت تتأمله، فعزاها بابنها عمرو، فقالت: أما إذ رأيتك سالما، فقد اشتريت المصيبة. فقال لها: يا أم سعد، أبشري، وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا، وقد تشفعوا في أهلهم جميعا. قالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟ يا رسول الله، ادع لمن خلفوا. فقال:(اللهم أذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلفوا)
وسار الخليفة الراشد أبو بكر، على هذا خليله المصطفى عليه السلام، فقد دخلت عليه فتاة، فألقى لها رداءه لتجلس عليه إكراما له، ولذكرى أبيها الشهيد الذي قال عنه رسول الله (رحمه الله، نصح لله ولرسوله حيا وميتا) وإذ ذاك قدم عمر، فما إن رأى من أبي بكر هذا التكريم لتلك الفتاة، حتى عجب من أمرها، وسأله عنها فأجابه: هذه ابنة من هو حير مني