للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ومنك، رجل تبوأ مقعده من الجنة، وبقيت أنا وأنت، هذه ابنة سعد بن الربيع.

وعقب (أحد) أحتمل أناس قتلاهم ليدفنوهم بالمدينة، فجاء منادي رسول الله يعلن في الناس (ردوا القتلى إلى مضاجعهم) ولم يبق إلا قتيل واحد، ودفنوه حيث أستشهد.

على أن رفات الشهداء الأبرار لا تبلى كسائر الأجساد، فقد روى أن معاوية بن أبي سفيان أمر بحفر عين جارية وسط مقبرة شهداء أحد، واستصرخ الناس إلى قتلاهم، وأمر بنقل رفاتهم، فأخرجوهم رطابا تنثني أطرافهم، وذلك على راس أربعين سنة من دفنهم، ومع ذلك أصابت المسحاة قدم حمزة سيد الشهداء، فأنبثق الدم، وفاح المسك، وكأنما هو صريع ساعته، مع أن أرض المدينة سبخة، قيل يتغير الميت في قبره من أول ليلة، ولكن تأبى الأرض الطيبة - بقدرة الله - أن تأكل لحوم شهداء المعركة، لأنهم مع النبيين والصديقين والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

ويجب دفن الشهيد فور مصرعه والصلاة عليه، فقد رجعت هند بنت حرام بعد أحد تسوق بعيرا يحمل ابنها خلاد بن عمرو بن الجموح، وأخاها عبد الله بن عمرو، وزوجها عمرو بن الجموح، وصار الجمل يبرك يهم كلما وجهته إلى المدينة، فإذا ضربت في وجهه إلى أحد نزع وأسرع، فسألت النبي في ذلك فقال: (أن الجمل مأمور، فقبرهم بأحد، يا هند ما زالت الملائكة مظلة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينظرون أين يدفن).

وفي تاريخ الإسلام أروع الأمثلة لرباطة جاش المرأة المسلمة إذا نعى إليها زوجها أو ابنها أو أخوها أو أبوها، فهذه حمنة بنت جحش تلقى النبي عند منصرفه من (أحد) إلى المدينة، فينعى إليها خالها حمزة فتحتسب، وأخاها عبد الله بن جحش فتحتسب، ثم زوجها مصعب بن عمير فتصيح مولولة وتقول: وا حزناه. فينظر النبي إلى من حوله، ويقول (أن زوج المرأة لبمكان ما هو لأحد) ثم يسألها: لم قلت هذا؟ فتجيب (تذكرت يتم بنيه، فراعني. فدعا لها أن يحسن الله الخلف على أولادها.

وأثبت منها عند الجزع، امرأة من بني دينار أستشهد زوجها وأخوها وابنها وأبوها، فلما نعوا إليها احتسبتهم عند الله. واعتصمت بالصبر، وقالت، كيف رسول الله؟ فقيل لها: هو يحمد الله كما تحبين. فتقول أرونيه حتى أنظر إليه، فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل، وتعلقت بثوبه عليه السلام وهي تقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا أبالي إذ سلمت من

<<  <  ج:
ص:  >  >>