وكانت الخنساء مضرب المثل في الإيمان عند النازلة، استشهد بنوها الأربعة في القادسية. بعد أن بلغت الثمانين من عمرها. ولما أقبل البشير بعد المعركة، جاءت تسأله عن حال الإسلام والمسلمين، فقيل لها: ألا تسألين عن أبنائك الأربعة؟ فقالت: هم بعد ذلك، فلما طمأنوها على سلامة جيش الإسلام، ذكروا لها أن بنيها قد استشهدوا جميعاً فقالت: الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في الإسلام وأساله تعالى أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
والإسلام بهذا لا يتناقض مع طبيعة البشر، ولا يدعي القضاء على غريزة من الغرائز التي هي القوة الدافعة للسلوك، أو انفعال من الانفعالات التي هي مظاهر الوجدان. فقد ثبت أن هذا الدين المتين يتمشى مع الطبيعة البشرية إلى الحد الذي يرتفع بها إلى أفق أعلى، وخلق أسمى.
وآية ذلك، أن نسوة الأنصار جئن إلى النبي يذكرن عمه حمزة ويبكين موتاهن، فصرفهم النبي في غير عنف وهو يقول: أرجعن رحمكن الله. لقد واسيتن معي، رحم الله الأنصار. وبلغ الحزن مبلغاً لم يقدر على مغالبته رجل أو امرأة، فجاء وفد من الرجال يسألون رسول الله: (يا رسول الله، بلغنا أنك نهيت عن النوح، وإنما هو شيء ندب به موتانا، ويجد فيه بعض الراحة، فأذن لنا فيه، فقال: أن فعلن، فلا يخمشن ولا يلطمن، ولا يحلقن شعراً، ولا يشققن جيباً.
وتكريم الشهداء لا يكون بتلك الأساليب العقيمة المرتجلة، التي يجترها السطحيون، فلا يسمو بهم الحس البليد إلى أكثر من اقتراح تسمية شارع أو ميدان أو محطة باسم الشهداء، أو اقتراح لإقامة نصب أو تمثال أو لوحة تذكارية أو قبر للمجهول في العاصمة والمدن الرئيسية.
وما أبعد هذا كله عن سبيل التكريم الخالص لوجه الله ولن نصل لهذه الترهات إلى الهدف النبيل الذب من أجله أرخص الشهداء دمائهم الزكية الغالية.
كما أن نقل رفات الشهداء غير جائز اعتمادا على ما أمر به رسول الله عقب غزاة أحد من رد القتلى إلى مضاجعهم، ولذا يجب إعادة النظر في الخمسة والعشرين ألف من الجنيهات التي اعتمدتها وزارة الوفد الأخيرة لبناء المقابر بجهة الغفير ونقل رفات الضباط من شهداء