وهذا تفكير عقيم ضحل، إن دل على شيء فإنما يدل على جهل مطبق بحقائق الدين. كما فيه امتهان لكرامة الشهداء الجنود، وإثارة الأحزان الدفينة في مشاعر ذويهم الصابرة وتملق رخيص للعواطف النبيلة.
وأول ما يجب البدء به لتخليد ذكرى الشهداء، وتمجيد بطولتهم وتكريم ذويهم. هو إحياء سنة عمر بن الخطاب، وذلك بإنشاء (ديوان المجاهدين) الذي وضع له اللوائح. ورتب الاختصاصات، وفرض مستحقات الجند أحياء ولذويهم من بعدهم، كل حسب بلائه وسبقه في الإسلام.
ويجب أن توضع الملفات لأسر الشهداء، لكي يتسنى للتاريخ الصحيح متابعة مجريات حياتهم، والتنويه بمظاهر الإعجاب في سلوكهم، والإشادة بآثار شهدائهم، مع منحهم مزايا اجتماعية تبقى رمزا إلى ما قدموا للوطن من أغلى التضحيات.
أما أبناء الشهداء وبناتهم، فأولئك ودائع عزيزة، ائتمنت عليها الأمة: جيشا وشعبا وحكومة. فلتكن نشأتهم على خير وجه مسنون من كرامة العيش وحسن التربية.
فهذا الفتى أسامة بن زيد؛ عقد النبي له لواء على جيش كثيف لغزو بني غسان قاتلي أبيه، وهذه الربيع بنت معوذ قاتل فرعون العرب أبي جهل: نراها في عهد عمر تشتري العطر من أسماء بنت مخرمة أم أبي جهل وذات يوم وزنت لها ولأصحابها على الأعطية فقالت لهن أسماء اكتبن لي عليكن حقي. فلما أملت الربيع اسمها على الكاتب استشاطت أسماء غيظا وتداركت: وإنك لأبنة قاتل سيده،؟ قالت الربيع: لا أبدا. وقالت عبده فقالت أم أبي جهل: والله لا أبيعك شيئا أبدا. وقالت الربيع: وأنا والله لا اشتري منك شيئا أبدا، فو الله ما هو بطيب ولا عرف. ولما عادت إلى بيتها قالت لأبنها والله يا بني ما شممت عطرا قط أطيب منه، ولكن يا بني غضبت.
هذا الترفع والإباء وليد روح عالية - بلا شك - دفعت ببنت المجاهد إلى مقاطعة البضاعة الكافرة. لمجرد غضبة المسلمة الغيري على سيادتها وعزتها.
وخير هدية من شهداء الوطن نقدمها للجيل الناهض، سفر كبير. لا يخلو منه بيت، ولا يدع شاذة أو فاذة من تاريخ الشهداء الأبرار إلا أنطوي عليها. مع ذكر تاريخ حياتهم، ومسقط