ويعقن التفتق الذهني لهم: محاولات أن يجعلن منهم آلات صماء تأتمر بأمرهن، وتتحرك بإرادتهن، وتنشأ على الحياة التي توافق مزاجهن. أبصرت سيدة ذات يوم تؤنب طفلها لأنه اختلس لحظات من وقته ليتصفح مجلة للأطفال بحجة أنها تشغله عن استذكار دروسه، وبهذه الحجة نفسها تحرم بعض الأمهات على أطفالهن أن يدنوا من المذياع أو يتصفحوا أي نوع من الصحف والمجلات، وأبصرت بنفسي أما تنهر طفلها في طريق عام فارضة عليه التزام الصمت وعدم الثرثرة، وكان هذا عقابا له لأنه سألها شرح بعض المعلومات العامة البسيطة التي لم يتسع ذهنه الصغير لهضم سرها، وأكثر من هذا ما تعمد إليه بغض الأمهات من تكلف القسوة الدائمة على أطفالهن باسم الأدب والتربية، ومن بث الروع في نفوسهم، وتهديدهم بالمروعات والمفزعات ليشبوا على أكبر قسط من الجبن والهلع.
لقد سمعت بنفسي إحدى الأمهات الجاهلات في طريق عام تستعين بالشرطي ليحمل طفلها على الحد من بكائه، والخضوع لأمرها بمتابعتها في سيرها، وما أكثر ما تخترع الأم الجاهلة من الأسماء الفظيعة للأشباح المجهولة تروع بها أطفالها حتى يناموا إذا لم يحل لهم النوم، وحتى يسكنوا إذا طابت لهم الحركة، وحتى يصمتوا إذا عن لهم أن ينطقوا ويتكلموا.
إن الطفل كالمعدن السائل تسهل صياغته وتكوينه، والأم الجاهلة تستطيع أن تخلق منه سفيها عييا، وجبانا مضطربا، ومخلوقا لا شخصية له، كما تستطيع الأم المتعلمة أن تخلق منه إنسانا ذا شخصية فذة يفيد نفسه ووطنه وأمته.
إن معاهد الأمومة من الأهمية بمكان، وسيكون لها أثرها الفعال في خلق جيل من الشباب النافع الذي ينهض ببلاده ويصل بها إلى ذروة المجد، فمتى يفكر المسؤولون في إنشائها؟، نأمل أن يكون قريبا، والله الموفق.