للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعرف للعيش طعما إلا بقربها. . وبعد لأي وفق في الاقتران بها. . فهو لا يضن عليها بحاجة مهما غلت، ولا يقصر في أمرها مهما عز إن كان فيهما ما يبعث السرور إلى تلك الحبيبة الساحرة. . . ولكن نيران الغيرة التهبت في صدره فجأة، فقد كان يغار عليها من كل عين ترنو إليها غير عينينه، ومن كل رجل يبادلها الحديث سواه. . ولم يكن ذلك لأنه لا يأمن جانبها، أو لأنه يشك في عفتها وطهارتها، بل لأنه كان يحبها حبا يقرب من العبادة ويعتقد أن أقرانه من أصحاب الجاه يحسدونه لأنه يملك هذه الدرة الغالية المتلألئة في داره.

إن أرنوت أيها الرئيس رجل من طراز خاص، فإنه بالرغم من هذه العاطفة الجامحة التي تعتلج في صدره لم يبد على وجهه أثر لهذا الشعور المضني. . بل كثيرا ما كان يبدو هادئاً رابط الجأش محتفظا بسكونه وفي باطنه عراك عنيف بين عقله وغيرته. . وهو في هذه الحال يتصور أن أحلى أمنياته أن يلبي أي طلب تسأله إياه. . .

فأوقفه الرئيس عن الحديث بإيماء من يده وقال: أراك ملما بحياته الخاصة إلى حد بعيد

فأجاب الزائر: كنت صديقا مخلصا له ومطلعا على جل أموره فأحنى الرئيس رأسه موافقا واستمر الزائر يقول:

- كانت لأرنوت صديق يدعى (بول ليس) ألزم له من ظله، مجتمعا مدرسة واحدة من زمن الطفولة وبقيا صديقين وفيين حتى ساعة الجريمة. . وكان (ليس) أعزب وقد تم تعارفه بزوج صديقه بعد اقترانه مباشرة، ولم يكن أحد ليدري ما يخبئه القدر وراء تعارفهما. . أخذ (ليس) يرعى زوجة صديقة ويصحبها إلى أماكن اللهو والتسلية في غياب ذلك الصديق أرنوت الذي كان كثيرا ما كانت تستدعي أعماله هذا الغياب. . ولما نمى إليه هذا الأمر، تصنع الرضا أمامها، ولكنه في الحقيقة بدأ يرتاب في صديقه (ليس) تحت وطأة تلك الغيرة الملتهبة في صدره، وكان وجهه الهادئ الرزين، وابتسامته الرقيقة، يخفيان تحتها هذا الشك القاتل. . تذكر أيها الرئيس أن أرنوت رجل كسائر الرجال يعرف الكثيرين ممن غدروا بأصدقائهم وخانوا شرفهم. . . وقد يعترض أحد الناس قائلا: أن أرنوت كان مخطئا في ارتيابه ما دام واثقا من صديقه، ومؤمنا بطهارة زوجه وعفتها. . . ولكن أيها الرئيس نحن - أنا وأنت - نعلم أن الغيرة عامل نفساني يثور لأقل وهم وأدنى شك وبقى أرنوت يحترق بين اللهيبين يحس بنار الجحيم تضطرم بين ضلوعه

<<  <  ج:
ص:  >  >>