وعبثا حاول الإنجليز أن يفهموه خطر الحملة القادمة. . فقد وجدوا منه إصراراً وعناداً شديدين.
ولم ير (نلسن) أن يضيع وقته في مناقشات لا فائدة منها. ولذلك قرر الانسحاب عن الشواطئ المصرية.
يقول الجبرتي:
(وفي يوم الخميس الثامن شهر المحرم عام ١٢١٣هـ، الموافق ١٧٩٨م. . ظهرت في ميناء الإسكندرية عشرة مراكب حربية. . وأرست بعيدا بحيث يراها أهل الثغر. . ولحق بها خمسة عشر مركبا أخرى. . وأرسلوا بعض الجنود إلى الشط في قارب. . فاستقبلهم كبار البلد، وعلى رأسهم السيد محمد كريم. . وسألوهم عن شأنهم. . فقالوا إنهم من الأسطول الإنجليزي حضروا للتفتيش عن مراكب الفرنسيين. . فقد علموا أنهم خرجوا في جيش كبير إلى جهة لا يعلمونها. . فلا تقدرون على دفعهم. . فلم يقتنع السيد محمد كريم والذين معه بصحة ما يقولون، وقابلوهم بجفاء فقال لهم الإنجليز:
- سنقف بأسطولنا في عرض البحر لنحافظ على ثغركم ولا نطالبكم إلا بالماء والزاد بالثمن الذي ترضونه. . فرفضوا طلبهم وقالوا:
(هذه بلاد السلطان وليس للفرنسيين ولا غيرهم علينا سبيل فاذهبوا لشأنكم)
ولم يكد السيد محمد كريم يتخلص من الحملة الإنجليزية حتى أخذ يفكر في الخطر الجديد الذي بدأ يلوح في الأفق. . فالحملة الفرنسية التي وصلته أخبارها قد تأكدت لديه قدومها، بعد أن سمع حديث الأميرال نلسن. وعلم بنشاطه، وأصبح من الواجب عليه أن يعد للأمر عدته، وإلا سقطت الإسكندرية في أيدي المحتلين الأجانب. . وكان عليه أن يسرع بالعمل قبل أن يضيع الوقت، وتفوت الفرصة.
فبادر بالاتصال بمراد بك، وبالعرب المجاورين للثغر. . طالبا منهم المعونة. وأمر بتحصين أسوار المدينة. . كما طلب من الأهالي حمل السلاح. . استعدادا للكفاح القريب.
وباتت الإسكندرية كلها تترقب قدوم الحملة الفرنسية. حتى رأت وجه البحر وقد تغطى بالمراكب. . فعلمت حينئذ أن وقت الجهاد قد حان. . وان ساعة الكفاح آتية لا ريب فيها.