- كلا. . يا عمرو: لقد أراد الله الخير بنا، إذ بعث لنا رسولا من انفسنا، من خير قبائلنا، وأشرف بقاعنا. . . يتلو علينا الكتاب بلسان عربي مبين، لقد آمن به الناس وآمنت، وأكرموا رسوله وأكرمت، وعاهدناه على الطاعة والوفاء. . ومن فضل الله علينا أن كان اكثر من في المجلس من شباب يثرب، ومن أعرقهم نسبا، وأكرمهم أبا، وأرفعهم عمودا، وأكثرهم يداً، يا عمرو. . لقد آمنت بمحمد. . وآمن به ابني جابر، وآمن أبناؤك معاذ ومعوذ وخلاد، فأسرع إلى النور، واعتصم بحبل الله، واستظل براية الإسلام، قبل أن يسكت اللسان، وينطق الحسام. .
صعق (عمرو بن الجموح) لهذا الخبر، فاسودت الدنيا في عينه، وذهل عن نفسه، وأصبح كالمحموم، ربي، وحقك، لا أتركك، ولن أدع يداً تمسك، وسوف أحملك إلى بيتي وأعبدك.
- ٢ -
تحت جنح الليل والناس نيام و (يثرب) تحلم أحلامها العذاب بعد أن انسابت إلى كثير من بيوتها أشعة طاهرة من ذلك النور الإلهي الذي توهج في مكة، خرج ثلاثة أخوة جمعت بينهم وشائج الدم، وأواصر العقيدة، ووجد بين قلوبهم هدى السماء، وتعاقدوا على الفداء، وساروا في أزقة المدينة بخطى وئيدة، ونور إيمانهم يسعى بين أيديهم، وكان همسهم الخافت، وحذرهم الشديد، يدل على أنهم خرجوا لأمر ذي بال.
طرقوا باب جابر بن عبد الله فلباهم، قال معاذ:
- هل لك إلى خير وثواب جزيل؟
- أجل ما أحوجني إلى ثواب الله وخيره العميم فما ذلك؟
- هلم إلينا فإن يد الله مع الجماعة
تكاثر الفتية المؤمنون من بني سلمة قوم (عمرو) وفي طليعتهم معاذ، واجتمعوا على الكيد للصنم، وتسللوا في غفلة من عمرو إلى الدار، فطرحوه في بعض الحفر، وكان عمرو، والصنم في الحفرة، يحدث نفسه ويقول: لقد حفظت إلهي في بيتي، وضمنت بهذا السيادة في بني سلمة، والسدانة على أصنامهم، وسوف أنصح لقومي أن يحمل كل واحد ربه إلى بيته، يغسله ويطييه، ويعظمه كل صباح ومساء، ويدين له بالطاعة والولاء.
وفي الصباح رأى (عمرو) صنمه المقدس، الذي كان يحلم به طول ليله، منكبا على وجهه