(إني أشهد الله على أن كل توفيق أصبته وكل خير نلته منذ نشأتي إلى اليوم كان مرجعه إلى إئتماري بأوامر الدين وانتهائي بنواهيه).
وقد علق على هذا الكلام فقال:(جميل من سمو الأمير أن يعتقد الدين وأن يعمل به ويتعصب له ويدعو إليه في وقت نسي الناس فيه الله. فبعد الأمراء الشهوة - وكأنه يعمي القصر - وأله الأغنياء المال، واتبع الزعماء الهوى) ثم يقول بعد فصل: (لماذا اقتصر أمي الأمراء من فضائل الإسلام على (المحبة والسلام، والصلاة والصيام، والعمل والصبر والطهارة. وقد كنا نطمع في صدق إيمانه وسمو بيناه أن يذكر كذلك الزكاة والإحسان والبر والتعاون ليعلم أولئك الأمراء الذين أسلموا ولم يؤمنوا، وهؤلاء الأغنياء الذين أساءوا ولم يحسنوا) ويسترسل فيقول: (إن الدين عمل ومعاملة، وتثقيف وتكليف، وإيثار وتضحية. ثم يقول بعد فصل: وحق الله الذي يشبع الجائع، ويكسو العاري، ويداوي المريض، ويكفن الميت، ضئيل بجانب حق الشيطان الذي يولم الولائم الفاجرة، ويقيم السهرات الداعرة، ويجود على إنجلترا الخؤون من غير طلب، وينفق على العامل والفلاح، وحق الشيطان على ضخامته حفيف لأنه ينفق في الميسر والراح) ثم يسترسل فيقول: (إن أكثر الكبراء عقام أو عزاب، فلا عيال يكلفون في الحياة، ولا أعقاب يرثون في الموت؛ فليت شعري لم لا يتبنون هذا الشعب الكريم وهو الذي وضعهم في ركب الحياة على كاهله، فأقدامه تحفي من الكلال وهم في دعة، وجسمه يضوي من القلال وهم في سعة، ونفسه تضطرب من الأهوال وهم في أمن) ثم يقول (إنهم إلا يفعلوا يندموا فإن من المشكوك فيه أن يتسع حلم الشعب طويلا لهذا الحد من المقال عجبت! ولا عجب أن يصاحب التوفيق قلم أستاذنا، فيشير لهذه النهاية البعيدة حينذاك، ولكن زال عجبي عندما رجعت لقول ولي الدين يكن للسلطان عبد الحميد في قصيدته التي أسلفت القول عنها عندما قال:
عزاء أيها النافي الرعايا ... ولا تجزع فخالقكم نفاكا
حرمت كراك أعواما طولا ... وليتك بعد ذا تلقى كراكا
تفارقك السعادة لا لعود ... وقد عاشت حطاها في خطاكم
فدع صرحا أقمت به زمانا ... وقل يا قصر لست لمن بناكا
نعم عبد الحميد اندب زمانا ... تولى ليس يحمده سواكا