على أن غوته بعد أن طالع آثار شيلر، ولا سيما قصيدتيه الشهيرتين (المتفننين) و (آلهة اليونان)، اللتين نسج بردتيهما إذ ذاك نسجا بليغا، انقلب عن الإعراض إلى الحفاوة والاحترام، فصار ودهما وثيق العرى متين الأسباب.
فكان شيلر ينظر إلى الحياة نظرات فلسفية وينظم الشعر التمثيلي، وغوته يسبح في عالم الطبيعة ويصوره ناظما الشعر الحقيقي، ومع ذلك هذا التباين في الذوقين بمانع من اتفاق آرائهما بالصداقة وتبادل الحب الصحيح بينهما بإخلاص وأمانة حتى آخر نسمة من حياتهما. وذلك نادر بين صاحبي صناعة واحدة. ولكن الشاعرية التي عرفا بها لم تستطع أن تبث روح الحسد في أحدهما ليعادي الآخر.
فصرف شيلر أوقاته مع غوته يتبادلان الآراء ويتجالسان ويتحاوران فأنتفع كل منهما من زميله. وهكذا أخرج شيلر آثارا نفيسة في الشعر والتاريخ والروايات التمثيلية الكثيرة، وهي مما لا تزال تتناقلها الألسنة والأقلام، وتترجم إلى اللغات المختلفة الغربية والشرقية.
ومن غرائب الاتفاق أن هذين الشاعرين المتحابين مرضا كلاهما بوقت واحد وخشي كل منهما موت الآخر. ولكن شيلر قبض إلى رحمة ربه قبل غوته وذلك في أيار سنة ١٨٠٥ فبلغ نعيه غوته فبكاه واشتد حزنه عليه وقال كلمة لا تزال مضرب المثل.
لقد فقدت بموت شيلر نصف حياتي.
ولشدة حزنه انقطع مدة عن عمله وتفرغ للبكاء ومعاناة الأسف الشديد الذي ألم به. وطال ذلك العهد على غوته حتى توفي سنة ١٨٣٢ وأقيم له سنة ١٩٣٢ تذكار مرور مائة سنة على وفاته بحفلات شائقة، وسنة ١٩٣٤ أقيم له تذكار مرور ١٧٥ سنة على ولادته. وكتبت الجرائد ومقالات شائقة عن الحفلتين في الشرق والغرب. ونشر كثير منها ترجمة حياته واعماله. وحضر تلك الحفلة كبار رجال الحكومة. وأقاموا الصلاة على قبره. وخطب الهر جيبلز فقال:(لو عاش شيلر، إلى اليوم لكان زعيم ثورتنا حرفيا. فنحن نحني رؤوسنا أمام ذلك الميراث الفني الذي هو لنا، لأن لنا وحدنا المقدرة وروح الابتكار لإنجاز رسالة بلك الثورة).
وأنشأت صحف اليونان مقالات أطرت فيها على ذكر شيلر، ومثلت في المسرح اليوناني