غرورها الغبي وزهوها المخبول. وكانت الخاتمة أن يطرد ابن الوطن البار من بلاده، ويبقى الدخلاء المترفون يتمتعون بالخيرات والنعم التي يلتهمونها من أفواه المساكين. ثم على تعاقب الأيام، قلم بطل جديد ينادي بحق الشعب مرة أخرى وكانت النتيجة، أن ثبت الحق على يد أربابه وفي قلوب المؤمنين به، وطرد الغشوم الذي أساء إلى نفسه وأبعد في التنكيل بها، وراح ينسل بنفسه الآبق وشذوذ المتغطرس.
وإن ثمة وجوه شبه بين الثورتين، ثورة أحمد عرابي، وثورة محمد نجيب. من وجوه الشبه هذا المطالبة بحقوق الشعب. ومنها أن الثورة وجهت أول ما وجهت إلى الجالس على العرش الذي يمثل الظلم الصارخ والكبرياء الحقير. ومنها أن قائدي الثورتين من أبناء الاعتماد على العنصر الديني والإنابة إلى الله ومنها أن القائمين بهما من رجال الجيش. وغير ذلك من العوامل السياسية الأخرى التي تكاد تكون واحدة في مغزاها على عهد الثورتين كلتيهما.
وحرب فلسطين ليست بعيدة عنا بآثارها ونتائجها. ولعلك سمعت ما قيل حولها من خيانة وائتمار بالجيش، ومحاربة للشجعان المخلصين من أبنائه، وتقريب الذين كانوا سبب الهزيمة وعوامل الاندحار، مع جهلهم أو فسادهم أو خيانتهم، وهذا يشبه ما حدث في عهد إسماعيل. وهو فريب مما حدث على عهد توفيق أيضاً (ولا مراء في أن إسماعيل كان يميز الضباط والرؤساء الشراكسة والترك على الوطنيين في المعاملة، يرغم ما بدا منهم من العجز والجهل وعدم الكفاية، مما ظهر أثره جليا في الهزائم التي حاقت بالجيش سنة ١٨٧٥ - ١٨٧٦ في حرب الحبشة. وعلى ما كان لهذه الهزائم من أسوأ الأثر، فإن إسماعيل لم يحاسب أولئك القواد والضباط على ما وقع منهم من الإهمال والتقصير، وقيل أنه اعتزم محاكمة راتب باشا قائد هذه الحملة، ولكنه ما لبث أن رجل عن ذلك فقربه إليه وجعله من بطانته. وهذا يدلك على شديد ميله إلى تلك الفئة. فكانت لها الخطوة لديه ثم لدى الخديوي توفيق).
وإن الحكم النيابي قد عطل في عهدنا هذا. وكان الملك يستبد بالأمر، ولم يكد يدع للوزراء حرية يتصرفون بمقتضاها. حتى كان يولي من يشاء ويعزل من يشاء تبعا لأهوائه ونزواته. وهذا مثل ما حدث في عهد الخديوي توفيق. فقد كان الآخر يستبد بالأمر ويملي