الماضية سوى نواد لعلية القوم وأعيان مصر، يدلفون إليها لاحتراف السياسة والتعلق في حبال الزعامة التي هي أوهي من خيوط العنكبوت. ويثرثرون بين جدرانها ليليقوا بكراسي الوزارة أو مقاعد البرلمان - أما منهاج هذا الأحزاب هو تضياع الأوقات في غير جدوى، وأما هدفها فهو كراسي الحكم التي تحيا وتموت عليها، ولأن الهيئات الدينية والاجتماعية ظل معظمها مظهرا لا جوهر له، وشكلا لا حقيقة له. وعلى الأخص الهيئات الدينية التي احترفت الظهور، في توافه الأمور، والتعصب للقضايا الفاشلة. وحسبك أن تضحك من جماعة دينية ضخمة تنادي باللحية والعذبة ولا ترى الإسلام إلا منحصرا فيهما، وجماعة ثانية تندد بالأضرحة والأولياء ولا ترى الإسلام إلا منحصرا في التنديد بهما، وجماعة ثالثة تطارد المرأة ولا ترى في المسلمين خيرا إلا إذا طاردوها، ورابعة وخامسة إلى مالا ينتهي حصره من هذه الجماعات التي حصرت جهادها في سفساف الأمور، أما مهامها فهي أعجز من أن تجاهد في سبيلها. ومن حق هذه الحركة على هذه الجماعات الضئيلة أن تبعث من جديد، فتحصر جهادها فيما يقدم الإسلام وأمته، ويحل مشكلاتها ويحقق أمانيها.
والإذاعة المصرة والمسرح والسينما جميعها في حاجة بل في أمس الحاجة إلى البعث الحديد، لأنها موارد طيبة ومنابت خصبة للنهوض بالثقافة والأدب والعلم والمجتمع، فعلى الإذاعة أن تتعفف عن الأغاني الساقطة والتمثيليات الهزلية والقصص الركيكة، وعليها أن تسقط من برامجها التواشيح المهلهلة التي تسيء إلى الإسلام، والأحاديث الدينية المضطربة التي تشوه جماله، وعليها بعد هذا أن تبدأ عهدا لا تكون فيه تكية من التكيات التي تؤوي العجزة والعاطلين. وعلى المسرح والسينما أن ينتقل على حياة مشرفة لا تعيش فيها الأفلام الساقطة التي تلطخ جبين الفن بالعار، وتسود صفحته بالفضيحة، وتنزل بمستوى الشعب إلى الحضيض. وإذا كان للرقص والمجون والعربدة أثر فعال في نجاح كثير من الأفلام في العهد البائد، فلا نظن أن هذه المخازي سيكون لها ذرة من الأثر في نجاحها في هذا العهد المشرق، لأن مصر اليوم في حاجة إلى أفلام تجعل مصر في المقدمة، وتجلس شعبها فوق القمة، وتعالج المشكلات المستعصية، وتكافح الأمراض الاجتماعية المتوطنة، وليست في حاجة إلى الأفلام التي تثير الغرائز، وتشجع على الرذيلة، وترسم طرق الاحتيال والنصب للمشردين والعاطلين.