للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قليل عائدي سقم فؤادي ... كثير حاسدي صعب مرامي

عليل الجسم ممتنع القيام ... شديد السكر من غير المدام

فلا غرابة إذن أن مطلع جبال حسمي قد غمر قلبه، وأن رؤيته لتلك الشعاب قد نفخت فيه روحا جديدة، بعد ما لقي من نصب ومتاعب في رحلته؛ وبعدما تحمل في مصر من ألم نفساني ومرض أضنى جسمه.

إن مناظر الجزيرة وجبال حسنى قد ملأت نفسه حبورا وجعلت منه إنسانا آخر. . نرى ذلك في شعره ونحس معه أحاسيس الذي خرج من سجن وانطلق للفضاء. . ولا ننس أن بين حسمي ووادي القرى ليلتان، وبين الأخير والمدينة ست ليال.

ولا يمر هذا الشعور دون أن يعتريه انفعال آخر هو إحساسه بالنصر والغلبة على كافور كيده، وأنه رفض أن يقبل الذل على يديه، فها هو قد ترك دنيا الظلم والظلام، وذلك الوسط الذي قال عنه (كأن الحر بينهم يتيم) وقال فيه عن كافور (غراب حوله رخم وبوم) وهناك انطلق شاعريته في الكوفة فقال في مواجهة الأحداث وليشهد الدنيا على انتصاره.

لتعلم مصر ومن بالعراق ... ومن بالعواصم أني الفتى

وأني وفيت وأني أبيت ... وأني عتي على من عتا

وما كل من قال قولا وفى ... وما كل من سيم خسفا أبي

وهو شعر يبلغ فيه النهاية ويترنم به من كان مثلي قد عانى الشدة وألم الاضطهاد ووقف أمام الظلم. رحم الله أبا الطيب وطيب ثراه! أنى أعد هذه القصيدة قطعة موسيقية من أروع ما أنشد هذا الشاعر العظيم. ولقد كنت ضحية للظلم يوما، وتنكر لي أقرب الناس إلي، وشعرت بشعور أبي الطيب، وأقمت مدة وأنا أترنم بهذه الأبيات، فاشعر بنفسي وقد قويت، وأستمد منها شجاعة وصبرا. . وهكذا يحيا شعر أبي الطيب في نفوس من يفقه أمر المتنبي ومن عاش عيشته ومن انكوى بنوع من الظلم يشبه ما أصاب شاعر العرب العظيم.

وأقسم بالله إني لأتحين الفرص لرؤية حسمي العالية الأطراف والتي قيل أن لا مثيل لها في الدنيا، هذه الجبال المتمدة على خليج العقبة الملساء الجوانب، والتي إذا أراد الناظر أن يمتع نفسه بالنظر إليها وإلى قنة منها، رفع بأبصاره إلى السماء.

إنها أوحت لأبي الطيب بالكثير من شعره عن نفسه، وأعذب الشعر ما تحدث به الشاعر

<<  <  ج:
ص:  >  >>