للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عن أحاسيسه، والمتنبي إعصار هائل من أين أتيت إليه، فهو عظيم في حجمه وجبروته، ولكن هذا الإعصار وسط الأدب العربي، بلغ القمة وجاوز حدود العظمة حينما سجل بشعره آلامه وأحزانه وفرحه وغبطته ويوم انتصاره.

وطابت حسمي لأبي الطيب فنزلها وأقام بها شهراً. أليست مواطن الأفذاذ من قبائل العرب، التي لم تعرف الخنوع ولا الخضوع، والتي على رغم قربها لملك كافور لم تسمح لنفسها أن تقبل ظلمه وجبروته وطغيانه.

جاء في كتاب الهمداني أن أرم وحسمي والبياض هي مساكن من تشاءم من للعرب الأقحاح، وقد سكنت لخم المنازل بين الرملة ومصر (الجفار) وطرق جبال الشراة، أما جذام فكانت تسكن ما بين مدين وتبوك وامتدت أذرح أو أذرع، واحتلت عاملة جبلها المعروف باسمها، من بحيرة طبرية إلى البحر.

وبقيت جبال حسنى بين فزازة وجذام. ولما نزلها أبو الطيب وارتاحت نفيه إليها، لم تتركه دسائس كافور، وهو الذي عمل حسابا له فتحاشى أقرب الطرق إلى حسمى خوفا من كمين قد يرصده له في طريق نزوله من رأس النقب إلى عقبة إيليا، واضطر أن يسلك طريق الشام أولا ثم بنكفئ من تربان إلى غرندل ثم جنوبا إلى منازل جبال حسمى.

أقول إن صاحب مصر أبي إلا أن ينغص عيش أبي الطيب وأن يتتبعه إلى الأطراف البعيدة، فكتب إلى رؤساء العرب ووعدهم وواعدهم، وبعد مضي شهر ظهر لأبي الطيب فسادنية عبيده وجاءت الحادثة مع وردان بين ربيعة من قبيلة طئ، وهو الذي سمع بأن لأبي الطيب سيفا مذهبا، فأخذ يلح في أن يريه إياه، وأبو الطيب يحاول التخلص منه، لأنه سيف يعتز به ويحرص عليه، فجعل الطائي يحتال على العبيد الذين في خدمة أبي الطيب ويحرضهم عليه طمعا في الحصول على السيف.

وهنا اكتشف أبو الطيب أن أبا المسك صاحب مصر قد كاتب العرب الذين حوله، ولم يبق هناك مفر من الرحيل، فأرسل من يثق به إلى بني فزاره وبني مازن، وإلى شيخ من ولد هرم بن قطية. ولما أتاه الخبر بقبوله النزول لديه شد ليلا على الإبل وجنب الخيل، وسار تحت كنف الليل على طريقته لما غادر الفسطاط والقوم لا يعلمون برحيله، وكان يقصد تضليلهم إذا حاولوا القبض عليه، كما ضلل من قبل جماعة كافور. ويظهر من تصرفاته أنه

<<  <  ج:
ص:  >  >>