كان على علم وإلمام بطرق البادية، مسالك البلاد وأسرارها، بدليل أنه أتخذ السير في طريق البياض وسار فيه ليلا حتى رأس الصوان، وهذا الدري خطير يحتاج فيه الراحل إلى الخفارة لتعذر الأمان فيه وهو الطريق الذي يسلكه من يرحل من تيماء ووجهته الكوفة فيمر يسرة فيما يلي البياض ثم يخترق ديار ذبيان، فمنازل كلب في صحراء السماوة ثم الدهناء، فإذا مر منها واجهه نخل الفرات. وما وصل أبو الطيب إلى رأس الصوان حتى انكفأ عائداً إلى الشمال مرة أخرى، محترسا من أن يقع على كمين إذا سار في الطريق الأول
وفي صفحة ٤٩٥ من الديوان (وسار أبو الطيب حتى نظر آثار الخيل ولم يجد مع فليتة خبرا من العرب التي طلبها فقال له اخرق أو أحرف بنا على بركة الله إلى دومة الجندل؛ وذلك لأنه أشفق أن تكون عليه عيون بحسمى قد علمت أنه يريد البياض، فصار حتى انحدار إلى الكفاف فورد البويرة بعد ثلاث ليال.
ذكر ياقوت أن البويرة موضع بين وادي القرى وبين بسيطة الواقعة في طريق الكوفة
ومن ذلك يتضح أن أبا الطيب أقر في نفسه طريق السفر فجعل: أولا وجهته دومة الجندل
ثانيا تحاشى العودة إلى جبال حسمى.
فكأن انحداره للبياض كان تمويها لأنه اتخذ كعادته طريقا آخر هو طريق الكفاف ثم البويرة.
والخرائط لا تسعف هنا لأن المناطق الواقعة في أراضي المملكة السعودية لم تسمح بعد المساحة التفصلية، فأبدأ بالكلام على هذه المواقع جاعلا أول الكلام على دومة الجندل ثم بقية الأماكن إلى الكوفة.
إذا فتحت الخرائط وجدت منطقة الجوف تتوسط الصحراء وهي التي قال عنها صاحب جزيرة العرب كانت تسمى قديما دومة الجندل والجوف هي البلدة الرئيسية تقع وسط منطقة زراعية كبيرة على رأس وادي السرحان والواحة وقعة في منخفض نحو ٥٠٠ قدم تحت سطح الصحراء المحيطة بها.
وفي هذا المنخفض واحات صغيرة مثل سكاكة وقارة والطوير وجاوة، وسكاكة هي أكبرها وتكثر فيها مزارع النخيل.