إن هذه الأصوات بذاتها تكون جريمة وطنية، وجرمية إنسانية، بغض النظر عما تقول! فلقد تحول هي ذاتها إلى ميوعة مدنسة حتى ولو كانت تنشد مشيداً حماسياً!
وهذا هو محمد عبد الوهاب يغني أخيراً (نشيد الحرية) للأستاذ كامل الشناوي. فماذا صنع به؟ لد استحال في حنجرته رجعاً ضارعاً؛ ووصل إلى ضمير الشعب دعوة خانعة إلى تهويمة مخدرة! ومع أن تلحين النشيد من الناحية الموسيقية فيه جهد واضح، ولكن الكارثة كلها تكمن في طريقة الأداء الصوتية التي انطبعت بالشجن الضارع المترهل المحلول!
وعبد الوهاب رأس مدرسة، والآخرون ليسوا خيراً منه بل هم شر. ولا سبيل لعلاج هذه المخلوقات الشائهة الزرية. لا سبيل لعلاجها إلا بأن تخرس هذه الأصوات الدنسة إلى الأدب، إذا أردنا أن نربي روح هذا الشعب تربية جديدة، وأن نبث فيه حياة جديدة، وما كنا بمستطيعين من قبل أن نصنع هذا، ولا أن نطالب بإخراس هذه الأصوات كلية - مهما كان الشعب يحبها - لأن العقلية العامة لم تكن تستسيغ هذا الطلب. وربما لا تستسيغه الآن كذلك. ولكن واجب الثورة يحتم عليها أن تفعله - مهما بكن فيه من اعتداء على حريات الأفراد - فواجب الثورة أن تحمي الناس من أنفسهم أحياناً. كما تحميهم من المخدرات. والمخدرات لا يمكن أن تفسد ضمير الشعب، وأن تفتت تماسكه، كما يفسدها فلم واحد، أو أغنية واحدة من أغنيات هذا الطابور!
ثم نعود إلى محطة الإذاعة فنجدها توالي برامجها القديمة بعقليتها القديمة - فيما عدا تعديلات طفيفة قائمة على جهود فردية بحتة - كأن شيئاً ما لم يحدث في حياة هذا البلد
لماذا؟ لأن الرجال الذين عاصروا مولد الإذاعة هم القائمون عليها حتى الآن. وأنا آسف حين أتعرض لأشخاص بأعيانهم؟ فالأشخاص لا يهمونني في شيء، لولا دلالة وجودهم على أن الثورة لم تصل لعد إلى محطة الإذاعة
خذ مثلاً لذلك رجالاً، ردهم العهد الجديد إلى مراكز هامة في محطة الإذاعة، بينما هو عنوان على عهد لا ينبغي أن تظل له آثار في العهد الجديد
كل من احتكوا بالإذاعة يعرفون كيف نال بعضهم رتبة (بالكوية) في سنة مبكرة وكيف صعدوا الدرجات المالية وثباً
إن رتبة (البكوية) كان لها معناها، ولها أسبابها في مثل تلك العهود. ومع هذا فقد استطاع