(إن الجنود يستحقون الثناء العظيم على ما بذلوه من الإقدام والهمة والذكاء، وسط المخاطر العظيمة التي كانت تحيط بهم. . . لأن الأهالي قد دافعوا عن المدينة بشجاعة كبيرة. . وثبات عظيم)
ولما رأى (نابليون) استماتة الشعب المصري في الدفاع عن الإسكندرية، نظر إلى أسوار المدينة فلاحظ أن بالسور رغم ارتفاعه وضخامته ثغرات كبيرة رممت حديثاً. . .
فطلب من رجال أن يوجهوا مدافعهم تجاه هذه الأسوار، وظلوا يضربونها حتى عجزت عن المقاومة، وبدأ الجنود يدخلون المدينة من الثغرات التي أحدثوها، حتى وصلوا إلى الجهة الآهلة بالسكان. . فأخذ الأهالي يطلقون عليهم الرصاص. . حتى كاد نابليون نفسه أن يصاب برصاصة قاتلة. . وكذلك قال سكرتيره الخاص:
(دخل بونابرت المدينة من حارة ضيقة. . لا تكاد لضيقها تسع اثنين يمران جنبا إلى جنب. . وكنت أرافقه في سيره. . فأوقفتنا طلقات رصاص. . صوبها علينا رجل وامرأة من إحدى النوافذ. . واستمرا يطلقان الرصاص فتقدم جنود الحرس، وهاجموا المنزل برصاص بنادقهم، وقتلوا الرجل والمرأة)
ولقد ظل السيد محمد كريم يدافع عن المدينة، حتى ضعفت الحامية عن المقاومة. . فكف عن القتال، وسلم المدينة. . ولم يكن في ذلك التسليم ما يقلل من جهاد السيد محمد كريم. . وحسن بلاء أتباعه. . وإنما كان ذلك منه حكمة وحزما. . وحسن تقدير لعواقب الأمور. . .
يقول أحمد الحكماء:
(لا عار على أمة قليلة العدد. . ضعيفة القوة. . إذا تغلبت عليها أمة أشد منها قوة. . وإنما العار الذي لا يمحوه كر الدهر. . هو أن تسعى الأمة. . أو أحد رجالها. . أو طائفة منهم. . لتمكين أيدي العدو من نواصيهم. .)