منهجية وحدد برنامجها في ثلاث مراحل رئيسية: المرحلة الأولى مرحلة الترجمة عن الغرب والتتلمذ على الغربيين فيما امتازوا فيه، والمرحلة الثانية مرحلة التجربة والممارسة، والمرحلة الثالثة مرحلة الخلق والابتداع. وكما وفق في التصميم وفق أيضاً في التطبيق، ولهذا أعرضت فرقته عن الوسائل الارتجالية، وترفعت عن ممالأة النزعات السطحية، وآثرت تقديم المترجمات الممتازة، فقدمت في مستهل عهدها ثلاث روايات لموليير ورواية لتشيكوف وأخرى لبريستلي دون أن تمسخها بالتمصير والتعريب. . وظلت تسير على هذه الوتيرة حتى تأججت الثورة على الاستعمار في الموسم الماضي. . فكان زكي طليمات أول من استجاب للدواعي الوطنية من رجال المسرح. . وقدم روايتين وطنيتين. . وآثر أن يرجئ برنامجه ليشارك الثوار ويضئ الطريق للأحرار
وهكذا نجح مادياً ومعنوياً. . وأفلح فنياً وقومياً. . وفاز برضاء الوطن والفن وتأييد المخلصين
هذه هي قصة زكي طليمات موجزة ظلال العامين الماضيين، وهذه هي أيضاً قصة بجماليون القرن العشرين
فقد روت الأساطير الهلينية أن الفنان بجماليون ابتدع تمثالاً رائع الجمال فشغف به حباً وتوسل إلى الإلهة أفروديت أن تمنحه زوجة شبيهة بهذا التمثال. واستجابت الإلهة لهذا التوسل بأكثر مما كان يتصور. . إذ منحت الحياة للتمثال ذاته وتزوج بجماليون تمثاله الذي ابتدعه بيديه. وما أظن أن رمزية هذه الأسطورة في حاجة إلى إيضاح. . لكن ما يجدر بنا إيضاحه أن أحدا من شعراء الإغريق لم يحاول إخراجها مسرحياً وإنما اكتفوا واكتفى الأدباء من بعدهم باستلهامها واستيحائها. . فاستلهمها (مارستون) في أشعاره التي ظهرت عام ١٥٩٨ واستوحاها (موريس) في مجموعته القصصية التي ظهرت عام ١٨٦٨ وجاء المحدثون فوجدوا فيها معينا لمسرحيات كوميدية. . نذكر من هؤلاء جلبرت ثم شو ثم توفيق الحكيم وغيرهم. . ومع هذا لم يرتض أحدهم أن يخرجها من إطارها أو أن يزري بكرامة الفنان بجماليون في الصراع بينه وبين تمثاله. . واحتفظوا له بكيانه وأخرجوه منتصراً على تحفته الفنية باعتباره مبتدعها ونافخ الروح والجمال فيها. ولكن خلف من بعدهم خلف أضاعوا الرونق الفني فرموا المبتدع بحجارة تمثاله وخلقوا من الكوميديا